يدرك الاردنيون جيداً بان غالبية مجالس النواب السابقه كانت تشكل عبئاً على الوطن وساهمت بشكل اساسي في زيادة النفقات العامه واضمحلال الروح الوطنيه حينما بحثت عن المنافع والاعفاءات والمزايا النيابيه ولم تبحث عن مصلحة الوطن نتيجةً لاغفالها لدور الرقابه والتشريع المناط بها دستورياً , ومن باب الانصاف بحق الوطن ليس الا , نرى بانه لا يمكننا تقييم التجارب النيابيه السابقه دون تسليط الضوء على دور مجلس الاعيان ( الشريك التشريعي والرقابي الآخر ) لاضفاء روح الموضوعيه والحياديه في معرض النقد الموجه لدور مجلس الامه الاردني بشقيه الاعيان والنواب .
نحن ندرك بان تخّلُف الحياه النيابيه لدينا جاء بفضل مجالس نواب سعت على مر الازمان والازمات للبحث بشكل حثيث ومنظم لاغفال الهَّم العام واغرقت نفسها طواعيةً بالمنافع المكتسبه والتكتلات الواهنه حينما تحالفت مع صُنّاع القرار بالحكومات المتعاقبه واستطاعت الوصول الى غاياتها المشبوهه على مبدأ ( دفع الخاوه ) مقابل تغاضيها عن دور الرقابه ومساءلة الحكومات عن اعمالها وقراراتها في حين لا يمكننا انكار الدور السلبي لغالبية مجالس الاعيان في ظل تلك الظروف حينما أصر غالبية اعيان الوطن عن قصد على تجاهل الدور المحوري والمؤثر لمجلسهم وفضلوا ممارسة دور العين كنوع من ( البريستيج ) تاركين الحمل ينوء به نواب فشلوا لاحقاً في حمله وكأن الامر لا يعنيهم من قريب او من بعيد , وحين تم حل مجلس النواب السابق الغني عن التعريف كان من المنطقي ان لا تنسحب الآثار السلبيه والاخفاقات على النواب وحدهم بل يجب ان تتعداها الى الاعيان ايضاً بوصفهم شركاء اساسيين في تحمل المسؤوليه كونهم مارسوا دوراً في الولايه العامه لا يمنعهم اصلاً من مهمة الرقابه فضلاً عن التشريع وتم اختيارهم بعنايه بوصفهم ابناء وطن يعرفون همومه تماماً وهم في موقع يؤهلهم للتصدي للمشاكل واصحاب خبره كافيه بالنسبه لاغلبهم يمكن بحال تفعيلها ان تثري تجربة الوطن باحتلالها دوراً خارجاً عن المألوف , ومع ذلك فضَّل الكثير منهم الغياب وكأن الامر لا يعنيه كأسلوب حل في ادارة الازمات , فحين كان مجلس النواب يُتَهّم كثير من اعضاؤه شعبياً بتهريب النصاب والغياب عن الجلسات واستغلال الوظيفه العامه كانت المأساه في مجلس الاعيان اكبر واشمل , فغالبية الاعيان كان يندر حضورهم اصلاً متمسكين في قرارة انفسهم بانهم ( عظام الرقبه ) وهم بنظر الشعب ونظر انفسهم ( مجلس الملك ) المعافي من النقد والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه متناسين بان عهود التشريف والوظيفه البريستيجيه قد ولّى على الاقل بنظر الشعب وقناعة المرحله وان مؤسسة الحكم حينما تختار مجلساً للتشريع او الخدمات العامه فان ديدن العمل والانجاز هو محركها الاول لا سيما وان الملك يدرك تماماً كما يدرك شعبه بان مجالس ( العلاقات العامه ) على اختلاف وظائفها ما زادتنا الا خبالاً وقادت المسيره للخلف بتفوق .
لا زالت الفرصه امامنا كأردنيين لاحداث التغيير المنشود فالتغيير يولد وينطلق من رحم المعاناه وهذا ينطبق علينا تماماً , علينا ان ندرك حينما نُقّيم عمل المجالس بانها لم تصنع للمتقاعدين السياسيين كنوع من لم الشمل وابقاؤهم تحت الاضواء , ولا ان ننطلق من فهمنا لوظيفة العين من مبدأ المناطقيه والتوزيع الجغرافي والرضاوه وحشرها في زاويه ضيقه , يجب ان ندرك تماماً بان النصوص الدستوريه والقانونيه لا تحتاج لتفعيل وان من يحتاجه فعلاً هم الاشخاص ووظائفهم حتى لا نلقي المسؤوليه بدافع التهرب على النص والقانون وحده , واذ اسهم صاحب القرار في ايصال رساله واضحه لا لبس فيها حينما تم حل المجلس السابق وكانت موجهه لمجلس الامه ككل فلا نرى فيها أي مؤشر يخلي مجلس الاعيان من مسؤوليتهم الرقابيه والتشريعيه امام صانع القرار الغير راضي اصلاً عن عمل المجلس ككل ولا يوجد ما يعفيهم من تحمل المسؤوليه بعد خطاب العرش الاخير حين كان نداء ( حضرات الاعيان,حضرات النواب) تتكرر في كل مطلع لخطاب الملك بمناسبة افتتاح البرلمان .
في وقت نحن فيه على اعتاب مرحله حرجه وتحديات محليه صعبه تبتديء بحجم المديونيه الهائل ولا تنتهي بمشاكل الوطن المتعدده كالفقر والبطاله وارتفاع الاسعار مما يجعل الخروج من عقلية ( مجالس الرفاه السياسي ) أمراً مقنعاً وخياراً مقبولاً بالنسبه لاعضاء مجلس الاعيان الذين لطالما تعامل الكثير منهم بمنطق الوجاهه والتشريف اثناء اشغاله لعضوية المجلس وكأن وظيفة الرقابه والتشريع انيطت فقط بمجلس النواب الذي اثبت غالباً فشله في القيام بدوره هذا من جهه , ومن جهه اخرى اذا كان التعدد النوعي للاعيان يلقي بثقله عند اختيار العيين بوصفهم اصحاب خبره وباع طويل في العمل المدني او العسكري فلماذا لم نسمع عن اية مبادرات او حلول او مجرد رؤى تعالج مشكلات الواقع قدمت من الاعيان لمؤسسة الحكم تجسيداً لشعار كلنا شركاء في تحمل المسؤوليه ؟ والى متى سيبقى الاعيان يصرون على الظهور بطابع برجوازي في بلد يرزخ تحت وطأة المديونيه وكأن الامر لا يعنيهم ايماناً منهم بعدم الخروج عن النص مثل حال كثير من الهيئات والمجالس داخل الوطن والتي اثقلت كاهل المال العام وكلَّفتنا مؤونة تمويل الرواتب والمزايا لاعضاءها ولم تقدم للوطن اي شيء يستحق الثناء والذكر .