د. المعتصم احمد ذياب الدرايسة
الرياض-جامعة الأمام محمد
العنف الجامعي-أسبابة ومنابعه
إذا ما أمعنا النظر فيما يعرف بالعنف الجامعي فسنجد أن هناك مجموعة من الأسباب والمنابع التي تدفع الطلبة إلى القيام بتصرفات مشينة رعناء تجعلهم يحملون العلم بيد ويحملون الفأس والخنجر باليد الأخرى.
بادئ ذي بدء فان ظاهرة العنف لا تبدأ بالجامعة بل هي ناشئة عن احتقانات نفسية تأصلت لدى الشباب في البيت والمدرسة. فهناك من أولياء الأمور من لا يعملون على تدريب أبنائهم على مهارات التواصل الاجتماعي, وكذلك لا يعملون على زرع بذور الخير والتسامح لديهم بل يحضونهم على اخذ حقهم بالقوة ورد الصاع صاعين لكل من يتعرض لهم. وأما بالنسبة للمعلمين فما زال بعضهم يؤمن بالضرب المبرح والاهانة والإذلال كوسائل مشروعة للتربية غير عابئين بالبحث عن وسائل أكثر تحضرا قد توفي بالغرض. فقد دخل قطاع التربية والتعليم العديد ممن لا تتوفر لديهم الرغبة في مهنة التدريس بل قبلوها كملاذ وحيد متاح أمامهم, فيعمل بعضهم على فرض هيبته وسطوته دون مراعاة لحاجات الطلبة ودون مراعاة لخصائصهم النفسية المرتبطة بفئاتهم العمرية مما يؤدي إلى تأصيل مشاعر الحقد والكراهية لدى العديد منهم اتجاه الآخرين.
أما بخصوص العشائرية فل شك من أن هناك إطرافا تعمل على تغذية النعرات العشائرية والإقليمية والطائفية وتؤجج مشاعر الشحن العشائري والمناطقي. لكن العشائرية التي في أصلها تدعو إلى الألفة والتراحم والتواد ليست سببا أو منبعا رئيسا لظاهرة العنف الجامعي, فقد كانت الجامعات وحتى أواسط الثمانينات مراكز نشطة للحراك الاجتماعي ومنبرا للعمل الوطني بعيدا عن الحساسيات العشائرية والمناطقية.
أما بخصوص السياسات التي تنتهجها الجامعات في إدارة الحراك الشبابي والهيجان الطلابي فهي بلا شك بحاجة لإعادة نظر. فالجامعات لا تركز على موضوع البحث العلمي الذي يزود الطلبة بمعلومات مفيدة ويشغل فراغهم ويعودهم على الصبر والتحمل شريطة أن يقدم الطالب أو الطالبة عرضا مختصرا للبحث الذي يتم تقديمه. كذلك فعمادات شؤون الطلبة في الجامعات لا تعمل بشكل كاف على إشغال الطلبة وتعبئة أوقات فراغهم من خلال الأنشطة الرياضية والثقافية وعقد الورش والندوات التوعوية بشكل منتظم. وفي هذا السياق يجدر بالجامعات إدراج مساقات إجبارية لخدمة وتنمية المجتمع تقدم للطالب فرصة ثمينة للاحتكاك المبكر بسوق العمل وتلمس مصاعب الحياة وسبل حلها. كذلك فان ما يحدث أحيانا من ظلم في وضع العلامات قد يجعل الطالب في حالة استنفار دائم ونفسية متعبة تؤدي بة للدخول في أي مشكلة يفرغ بها عما يعانيه.
أما بخصوص الاختلاط فاعتقد أنة احد المنابع الرئيسة لما يحدث من عنف جامعي, إذ يأتي غالبية الطلبة من مجتمعات محافظة لا تؤمن بثقافة الاختلاط, وبا لتالي ينبهر الطالب أو الطالبة بأجوائه الجديدة ويجد نفسه غير قادر على توجيه مشاعره وانفعالاته بشكل مناسب. فأنا مثلا اعمل في جامعة سعودية كبيرة غير مختلطة لم أرى أبدا أي نزاع أو جدال بين الطلاب بالرغم من أن معظمهم ينحدرون من قبائل كبيرة وليس مجرد عشائر.
ولا بد من أن أشير إلى أن الوضع الاقتصادي والتباين الواضح في دخول الطلبة الأردنيين قد يكون احد المنابع الرئيسة للاحتقانات النفسية والغل والحقد. فهناك من الطلبة من يدفعه مستواه المادي المرتفع إلى التباهي وحب الظهور على حساب زملائه الآخرين مما يخلق حالة من النقمة والبغضاء.
وفي النهاية فلا بد من وقفة جادة من كافة الإطراف للوقوف على أسباب العنف الجامعي وتجفيف منابعه والعمل بإخلاص وحسن نية لخلق بيئة جامعية جاذبة تعمل على إكساب الطلبة العلم والمعرفة والعادات الحميدة وتقنعهم بنبذ العنف مقتدين بقول الرسول (ص) \" أقربكم مني يوم القيامة أحسنكم أخلاقا\" والنظر للآخرين نظرة احترام وأخوة اهتداء بقول الرسول(ص) أيضا \"كلكم من ادم وادم من تراب\" والله ولي التوفيق.