بقلم: شفيق الدويك - هيوستن
يتنفذ كثير من الأبناء في حياتهم لتحقيق أغراضهم الذاتية بأنانية مفرطة عن طريق ما يعرف بسياسة أو نظرية \"لي الذراع\"، الأمر الذي يعني نفض اليد عن كل المعهود و المتوقع و المفروض، و ممارسة التمرد على أوامر و نواهي الأسرة فيما يتعلق بالشؤون الكبيرة (مثل قرار الزواج) أو حتى الصغيرة منها مثل ( إحضار كاسة ماء أو غيرها لمن يريد أن يشرب من كبار السن من أفراد الأسرة).
نعطي الأبناء ينابيع من الحب و الثقة و السهر على راحتهم، و يردوها إلينا، هذه الأيام، بما يشبه عملية لي الذراع. عندها نفقد الحياة الممزوجة في الحياة و نتجرع أسوء المذاقات و الحسرات.
في معظم الأحيان أُلقي و يُلقي كثير من الأبناء باللائمة على الوالدين ، المدرسة و البيئة الخارجية لفشلهم في إكمال تحصيلهم العلمي، أو إنحرافهم و إخفاقهم في حياتهم العملية، و لا يلومون أنفسهم بتاتا. ترى على من يقع اللوم؟
هل يقع اللوم على الوالدين بإعتبار أن الأسرة هي المعهد التربوي و التعليمي الأول للأبناء ؟ أم يقع اللوم على القائمين على الحضانة أو الروضة أو المدرسة أو الجامعة بإعتبارها مؤسسات تربية و تعليم؟ أم يقع اللوم على مؤسسات الدولة و وسائل إعلامها؟ أم يقع اللوم على الأبناء الذين لم يراعوا بجديــّة ، رغم التوجيهات المستمرة الموجهة إليهم، مسألة إعتماد قدوة لهم و هدف كبير في حياتهم أثناء تكوين شخصيتهم؟؟؟
عندما تراجعت مكانة معظم الرجال (كأرباب أسر)، حضورهم و هيبتهم كمرجعيات رئيسية في الأسر لدينا، وقعت الكارثة الحقيقية في المجتمعات، حيث تقدمت مكانة كل أفراد الأسرة، و تراجع الرجل (ربّ الأسرة) إلى الخلف عشرات الخطوات في عملية إتخاذ القرارات مهما كانت درجة أهميتها، و أصبح الجميع و دون أي إستثناء ، دون رب الأسرة، يشاركون في إتخاذ القرارات وتلاشت الهيبة بصورة عجيبة بحجة الحداثة و التطوّر و التخلّص من مظاهر التخلّف أو الرجعية كما يقال.
رغم أن الروضة، المدرسة، الجامعة و وسائل الإعلام لها تأثير قوي في تعلّم الفرد، إلا أن الرجل الذي يمتلك المكانة و الحضور و الهيبة، رب الأسرة، هو وحده القادر على ترسيخ القيم وضبط سلوك أعضاء الأسرة ، مراقبته، تصحيح إنحراف مساره و صد تأثيرات البيئة الخارجية، خارج البيت، من توجيه سلوك أي فرد في الأسرة نحو الإنحراف المؤدي الى إضاعة الوقت في الجري نحو إشباع الغرائز المنفلتة على هواها بسبب كثافة المحفّزات وشدة قوة محركات الغرائز هذه الأيام.
الجميع يعلم بأن الطريقة المثلى لتصويب إنحراف الأبناء عن المسارات السليمة والصحيحة تكمن في تبني أداة للعقاب و الثواب على الأفعال (السلوكيات)، و لا يمكن ضبط هذه العملية دون قياس الأمور بنتائجها.
و الأخير، أي القياس، يعني أنه يتحتم على ربّ الأسرة تخطيط حياة الأبناء بصورة علمية و عملية مدروسة، و مراقبة الأداء، و مقادير الإنجازات و التعامل مع الإنحرافات والإخفاقات بحكمة الخبير المجــرّب، أي وضع أهداف مسبقة للأبناء تكون قابلة للتحقق و القياس و التصويب.
إن الأسرة التي تمتلك مرجعية لها هيبتها تساعد الروضة أو المدرسة أو الجامعة في تأديتها لوظيفتها. في الوقت نفسه، لا يمكن للبيئة الخارجية، مهما كانت قوة تأثيراتها، من العبث بقيم تمّ ترسيخها بإشراف ربّ أسرة قوي مخلص لأسرته.
إن في القسوة، أي تحييد العاطفة و تحكيم العقل في معظم الأحيان، رحمة لنا و للأبناء غير المدركين لمصلحتهم دائما، و للمجتمع بأسره shafiqtdweik@yahoo.com