عادة ما تحظى انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية باهتمام بالغ من قبل وسائل الإعلام لا تظفر به الجامعات الأخرى مجتمعة، ومنذ ثلاث سنوات بدأنا نشهد تواجداً إعلامياً غير مسبوق في انتخابات اتحاد طلبة "الأردنية" وأصبحت هذه الانتخابات حديث معظم كتاب الأعمدة وأفردت الصحف اليومية مساحات واسعة لتغطيتها وذلك بعد إلغاء نظام تعيين نصف أعضاء اتحاد الطلبة وعودة الإسلاميين للمشاركة في هذه الانتخابات بعد ثماني سنوات من المقاطعة وبعد أن كانوا مسيطرين سيطرة مطلقة على مجالس الطلبة من 1991 ولغاية قرارهم بالمقاطعة عام 2000 .
إلا أن هذا العام بالذات اتسم باهتمام ورصد مضاعفين يعود لأسباب عدة لعل أهمها هو حجم الحملة الإعلامية التي قامت بها الحكومة لحث طلبة الجامعات على المشاركة السياسية والتصويت في الانتخابات البرلمانية حيث ظن البعض بأن هذه الدعوة هي خطوة أولى نحو تفعيل الطلبة ودمجهم في الحياة السياسية، كما تزامنت انتخابات الجامعة لهذا العام مع مقاطعة الإخوان المسلمين للانتخابات النيابية التي جرت قبل شهر تقريباً، إضافة إلى تسلم الدكتور عادل طويسي رئاسة الجامعة وما رافق ذلك من إشاعات حول ضغوط تمارس للعودة إلى نظام التعيين أو على الأقل "تحجيم صلاحيات الاتحاد"، كما تأتي هذه الانتخابات بعد سلسلة من المشاجرات التي عايشتها إدارة الجامعة خلال العام الماضي وجاءت تكريساً لظاهرة العنف في جامعاتنا على وجه العموم.
آثرت أن أتريث كثيراً قبل كتابة هذا المقال حرصاً على أن لا يكون جزءاً من سلسلة مقالات "رد الفعل اللحظي" ولمعرفتي المسبقة بطبيعة تعامل إدارات جامعاتنا الأردنية -وحكوماتنا بشكل عام- مع الإعلام، فعلى سبيل المثال قام رئيس اللجنة العليا لانتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية بتأخير المؤتمر الصحفي لإعلان نتائج الانتخابات أكثر من نصف ساعة وذلك كي يتم السيطرة على المشاجرة الكبرى التي وقعت في مبنى إدارة الأعمال وامتدت إلى كلية الحقوق، ليعلن أن هذه الانتخابات كانت الأنجح في تاريخ الجامعة الأردنية وأن ما حدث لم يتعدى قيام بعض الأشخاص الملثمين دخول الجامعة بطريقة غير شرعية وإثارة المشاكل انتهت سريعا ولم تكن لها أي نتائج سلبية.
لم تختلف انتخابات هذا العام عن سابقاتها في العامين الماضيين من حيث المقدمات أو النتائج، فمن حيث المقدمات يبدو أن نظام الصوت الواحد سيبقى قدر الأردنيين مواطنين وطلاباً على الرغم مما جره من ويلات على صعيد وحدة النسيج الاجتماعي حيث استمر العمل بهذا النظام للعام الخامس عشر على التوالي مثلما هو الحال مع العمل السياسي الذي مازال ممنوعاُ في كافة الجامعات الأردنية، كما استمر تدخل الجهات الأمنية في انتخابات اتحاد الطلبة وبمعرفة وعلم عمادة شؤون الطلبة.
أما على صعيد توزيع المقاعد فقد واصلت إدارة الجامعة الجديدة ما بدأته سابقتها من توزيع جعل تركيبة الاتحاد مشوهة، فتم تخصيص ثلاثة مقاعد لكليات لا يتجاوز عدد طلبتها ال70 طالباً فيما خصص لقسم كالهندسة المدنية مقعداً واحداً رغم أن عدد طلبته يتعدى ال1200 طالباً وطالبة، وأدى هذا التوزيع للمقاعد إلى نجاح 10 طلبة عن مقاعد أقسامهم بالتزكية، و6 مقاعد لم يترشح منها أحد أي أن ما يقارب ال20% من المقاعد حسمت قبل أن تعقد الانتخابات، إضافة إلى أن هذا التوزيع أدى إلى خسارة طالب رغم حصوله على أكثر من 300 صوت وفوز آخر ب50 صوت فقط.
وفيما يخص نتائج الانتخابات والخريطة السياسية لاتحاد الطلبة فيمكننا قراءة الآتي:
1_ اتسمت التحالفات الانتخابية –كسابقاتها- في مجملها بالأبعاد العشائرية والمناطقية، واختفى الشعار السياسي والخطاب الفكري لصالح العصبيات الإقليمية والمناطقية والعشائرية، وقد أدت هذه الأجواء إلى لجوء حركة طلابية كالتيار الإسلامي-الذي يتعرض أعضاؤه لضغوط كبيرة- إلى عقد تحالفات ذات أبعاد عشائرية ومناطقية.
2_ بقيت تركيبة اتحاد الطلبة على حالها، فحافظ الاتجاه الإسلامي على حدود ال20 مقعد التي حصل عليها في السنوات السابقة، واستحوذت العشائر والمناطق و"الأردنيون من أصل فلسطيني" على باقي المقاعد ال82، وهنا لابد من الإشارة إلى قيام أحد الأحزاب الوسطية بإعلان حصوله على 24 مقعداً في الوقت الذي لم يعلن فيه أي من المرشحين أثناء الانتخابات أو الفائزين بعد الانتخابات عن انتمائه لهذا الحزب!!
3_ أظهرت الأحداث التي وقعت أثناء العملية الانتخابية (محاولة سرقة أوراق اقتراع، اقتحام بعض مراكز الاقتراع ومحاولة منع ناخبين من الوصول إلى صناديق الاقتراع)، والأحداث التي وقعت بعد العملية الانتخابية (المشاجرات التي انتشرت في العديد من الأقسام والكليات) بأن رؤية الطلبة لهذه العملية تحولت من عملية تنافس ديمقراطي بين أفكار ورؤى واستراتيجيات وآليات عمل إلى مناسبة لإبراز كافة الولاءات والانتماءات الضيقة.
4_ لأول مرة منذ عام 1989 يحصل تيار قومي يساري " كتلة التجديد العربية " على خمسة مقاعد وهو أمر مبشر في ظل التركيبة العشائرية لاتحاد الطلبة، إلا أن الرهان على مستقبل هذا التيار يعتمد على مدى قدرة أعضائه تحمّل الضغوطات التي سيتعرضون لها مستقبلاً.
لكن النتيجة الأهم لهذه الانتخابات تكمن في أنها حصدت نتاج خمسة عشر عاماً من السياسات الخاطئة سواء على صعيد نظام الانتخابات أو تقييد الحريات أو منع العمل السياسي وتغييب الوعي الطلابي أو سياسات القبول الجامعي، لنصل إلى ما شاهدناه ونشاهده من مشاجرات وعنف جامعي خرج عن سيطرة إدارات الجامعات .. وانقلب السحر على الساحر .. وللحديث بقية .
فاخر دعاس
1/1/2011