لستُ هنا بصدد شرح وتوضيح أسباب الجلوات العشائرية, التي تنتج إثر أحداث جرائم قتل أو اغتصاب وغيرها, وعلى إثرها يُحْكَم على الطَّرف الآخر بالجلوة, ليس لمرتكب الفِعلة فحسب ,بل كل من يرتبط بالدَّم مع من ارتكب الجريمة , فقد أصبحت إحدى أبجديات الحياة يعرفها الصغار قبل الكبار. ولست بصدد إبلاغكم عن الخبر الذي قرأناهُ جميعاً في الصحف والوكالات الإخبارية, لأنني على يقين تام بأن العديد يعلمه جيداً, وهي \" إحدى عشرة جلوة عشائرية ما تزال قائمة في محافظة الكرك، وفقاً لسجلات محافظة الكرك الرَّسميَّة، بعضها منذ العام 1994, على خلفية حوادث قتل أو حوادث أخرى يتوزع فيها مئات الأشخاص, على مناطق مختلفة:: انتهى الخبرعلماً أن آخر جلوة عشائرية لا تزال قائمة للآن لِـمَا يقارب 85 أسرة بلغ تعدادها 500 شخص , بين طفل وامرأة وكهل...., وقِس على ذلك؟؟!
ولكن ما دعاني لكتابة المقال, هو تواجدي في إحدى المدارس قبل أيام, والتي تَعرَّض أهل منطقتها لجلوة عشائرية, إثر حادثة قتل, أدَّت إلى جلوة (70) طالباً وطالبة من مدرسة إناث واحدة فقط و(24) طالباً من مدرسة ذكور, وللآن ((يوجد (34) طالباً وطالبة)), لـــم يتم تسجيلهم في أي مدرسة, رغم مُضي شهرين ونصف على الجلوة, خَشية معرفة مواقعهم من الطرف الآخر, لذا يتم صرف النظر عن تسجيلهم, وما دعاني أيضا للكتابة هو النظام الجديد الذي بزغ فجره لنا, لدى إحدى الجلوات العشائرية وهو((نهب وسرقة البيوت)) ثم حـــرقها؟؟!! لرُبَّما هناك طرفٌ آخرٌ بعيدٌ, لا صلة له بكلا الطرفين لا القاتل ولا المقتول, يرى بالجلوة فرصة سانحة ومصدراً للرزق؟! وبث الفتنة بينهما ) \"ناهيكم عن عدد البيوت التي حُرِّقت, وسُرقت. ؟! وناهيكم عن عدد الأشخاص الذين هُجِّروا إثر الجلوة العشائرية, لم يدخل أحدهم محافظة الكرك للآن, رُغم مُضيِّ السُّنون ؟! لجرمٍ لم تقترفه أيديهم؟! يـا الله أيُّ ظُلـــمٍ هـــذا ؟! بالتأكيد هنا لنا وِقـــفة.
كثيراً ما أحاكي نفسي يا إخوة هل الجلوة العشائرية بمثابةِ أسلوبٍ للرَّدعِ, وللحَيْلولةِ دونَ تكرار الفِعْلة؟! لأنَّ العقوبة ستقع على كُلِّ من له صلة بك, وليسَ عليك وحدك, إذاً عليك التفكير مطوَّلاَ قبل الفعل ؟! لن تبقى وحدك بدائرةِ العقوبة ؟! بل ستجرَّ وستُشَرِّد وسَتُحرق بيوت, وستُفرَّق نساء عن أزواجهن, وسيُيتم أطفال, وستدور حلقة وويلات الثأر من جديد, وستُبنى جسور أحقاد, بجريمتك التي اقترفتها أنت وحدك, أنظر إلى خِضَمَّ الويلات التي ستُحققها من فعلتك, ثم قرِّر ؟! من خلال هذا المنظور, منطقيَّاً وعقلانيَّاً, ستبث الجلوة العشائرية في النفوس, التكافل والتضامن الاجتماعي, فيحرص كل منَّا على ضبط سلوك غيره, وليس الاكتفاء بضبط سلوكه ؟! وبالتالي تفعيل مؤسسات التنشئة الاجتماعية المحيطة بالفرد.
أم أن الجلوة العشائرية أسلوباً لحقن الدماء ,خوفاً من ( فورة الدم ) على اعتبار إبعاد الطرف الآخر, عن مرمى أبصارهم, بمقتضى العدّ ولأي جدّ سيصل يا تـُرى ؟! إلى أن يصدر الحكم على الجاني, وتنتهي, العطوة و و و و.... الخ. وجهتا نظر قابلتان, للصدِّ والرَّد \" لكننا في النهاية نصل إلى نتيجة حتميَّة, ومُسلَّمة غير قابلة للنقاشِ والجَدل, وحقيقة مؤدَّاها::: أنَّ الجلوة العشائرية, تجريم من لا جُرم له, وتحميلُ وزرٍ لِمَن لا وزر له , وردع وتشريد, وحرق ممتلكات من لا ذنب له, وهي وصمة عارٍ تُلاحقُ البعض أينما ذهبوا, لتعيِّرهم بما لم تقترفه يمينهم, نعم هذه الجلوة العشائرية, إنها نيرانٌ في الصدور حاميةُ الوطيس, ممزوجةٌ بالقلق والرُّعب والذُعر, من \"مَجْهُــولٍ مُنْتــَظَر\", شبحها يُلاحق كلَّ واحدٍ فينا, ليل نهار, خشية أن نتلظى بنيرانها نحنُ أيضا (من منا يستطيع أن يضبط, أو يتنبأ بسلوك أحدٍ من أفراد عشيرته؟!!) بالتأكيد لا أحد؟! ,إنها دعوةٌ لكلٍّ منَّا أن يحزم أمتعته للاستعداد للرَّحيل (لا قدر الله), محمولاً بشعار لا ندري إلى أين ومتى وكيف؟! إنها دماءٌ ثائرة، قوانينٌ جائرة, و نفوسٌ حائرة, لمستضعفين لا حول لهم ولا قوة ,إنها أحكامٌ ما أنزل الله بها من سلطان**, لأن ربُّ العزة قال ((وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) , ولأن ربُّ العزة قال (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رهين ) ربُّ العزة خالق الخلق, لَا يُؤَاخِذ أَحَداً بِذَنْبِ أَحَد, و لَا يَحْمِل عَلَيْهِ ذَنْب غَيْره مِنْ النَّاس, سَوَاء كَانَ أَباً أَوْ اِبْنًا , بَلْ كُلٌّ مُطَالَبٌ بِأَمْرِ نَفْسه,,,ولكننا نحنُ البشر أبـَيْنا إلاّ أن نصنع لنا قوانين خاصة بنا, لنلسع ونلدغ الآخرين بجحودنا وظلمنا, إلى متى أيتها الجلوة العشائرية ؟!؟
إلى متى...... \"جلـــوةٌ عشائريَّـــةٌ\"
بالــذُّلِّ والْمِحَنِ تَنْهَرُنــــــي...
بِلا جُـرْمٍ أو ذَنْبٍ مِنِّي مُرْتَكَبـــــِ.......
يا وِزْرَ غَيْري عَلى ظَهْري يُثقِلُنــي.....
. ولا بالتَّوبةِ والنَّدَمِ يُطَهِّــرُنــي.....
فوا أسَفــا على النَّـفي والتَّهْجيرِ مُرْغماً عنْ مَسْكَني وسَكَنــي......
وعَنْ أهْلي وفلَذات كَبدي تُفرِّقُنـــي ......
وعَلى عَتَباتِ البُيوتِ وجُــلَّ الأهْـلِ ذَليـــلاً تَطْرحُنـــي........
ويا حَسْرةً على مَالي صَار حلاً لغَيْري بِلا ثَمَــنِ....
وأحَاديث مَجَالسٍ بَيْن النَّاسِ بِلا وَرَعِ.....
وعلى غُربةٍ واغترابٍ بينَ من حَوْلــي تَكَادُ تقتُلنــــي......
وللشَّوقِ لثَرى مَوْلدي لهيبٌ في القلبِ تَحْرقُـنــــي......
دَعْني أسِحُّ دُموعاً كَخَريرِ الْمَاءِ مِنْ فَوقي يَكادُ يُغْرِقنـــي ....
فَهَلْ عَسَى الأعْرافُ تَمْنُـنْ عَليَّ بعَفْوٍ, ومِنكِ تَرْحَمُنـــي؟!...
.ومن الْخَوْفِ والحَزَنِ تُخَلِّصُنــــي......
ولِشَمْلِ الأحْبابِ والصَّحبِ تَجْمَعُنــي .....
أم سَتَمْضي بِقيُودٍ مِنكِ تُكَبِّلُـنــي؟!...
كالمَغشيِّ عَليهِ تُسيُّرُنــي.....
اشفعي لي يا جلوة حَالَ دُمُوع قوْمي تـنْعَاني وتُشيُّعُنـــي ....
وعَلى الأكْتَافِ أرْبَعَة تُحَمِّلنـــي....
بِفُسْحةٍ مِن المِحْرابِ بين ثرى مَوْلدي وأهلــــي....
عَلَّها في ظُلمةِ القبْرِ تُؤْنسُنــي؟!!
ولا حول ولا قوةَ إلا بالله العليِّ العظيـــــم.