إشارة الضرب هذه معروفة لدى القاصي والداني، وخاصة للطلبة على مقاعد الدرس، ولكن مدلولها قد تغير في مجتمعنا لتصبح وسيلة التواصل بين الأفراد والجماعات، فهي كالفايروس الذي ينتشر في مفاصل مجتمعنا؛ فالضرب والعنف يسري في أوصال الطلبة في مدارسهم وجامعاتهم لأي سبب كان، ومن ثم يمتد شرره ولهيبه إلى باقي الجامعات الحكومية منها والخاصة؛ فإذا نظر أحدهم إلى زميله نظرة مِشْ وَلا بُدّ يتناوله بما طالت يده ولو كان مسدسا أو رشاشا، أو أنه يقوم بقلع عينه استنادا إلى القول المأثور : نقلعِ العين ال لدّت تلانا. واللدّ هنا هو أدنى مراتب النظر، فكيف إذا تطور هذا اللدّ إلى المجاحرة التي تشي بالتحدي ومكمن الشرر. عندها يبرز دور هذه الإشارة كرد فعل مباشر فتبدأ الهوشة في النقطة س ولكنها تتجاوز حدود المنطقة ص بكل ماتخلف من تداعيات أمنية وعشائرية.
هذه الإشارة هي القاسم المشترك الأكبر لكل مناسباتنا؛ ففي أعراسنا مثلا تبدأ التعليلة بما يُرضي الله، ولكن قبل الوصول إلى حنّا العريس، تبدأ النُّذر بالظهور من خلال اتخاذ مجموعة من الشبان مكانا يتداولون فيه استرتيجية الهجوم على مجموعة أخرى، أو إذا بدأت مجموعة من الدّبيكة دبكة الجوبي العراقية على أنغام رباعيات الخيام لأم كلثوم، أو إذا تطاول أحدهم وأخذ قيادة الدبكة من القائد الحالي. وإن انتهت التعليلة على خير، فلا تفرح كثيرا؛ لأن الفاردة ستأتي غدا، وعندها تظهر نذر شرّ أخرى ممثلة بالتجاوز؛ فما بالك إذا تجاوزت سيارة فوكس خمرية اللون باص كيا فيراني اللون؟ والباقي عندك.
وأما في الانتخابات فحدّث وحدّث؛ حتى خيّل لي أن انتخابات عريف للصف السابع سيولد عنفا شخصيا وعشائريا لايعلم إلا الله تعالى مداه؛ ففي الانتخابات الجامعية هوشات، وفي الانتخابات النيابية طوشات، وفي الانتخابات الحزبية مداولات يعقبها مناوشات. وفي ذلك كله أيضا نجد أن الضرب هو اللغة السائدة وهو الذي له الحظوة والسطوة. وهذه الإشارة تعني فيما تعني مفردات المنع جميعها؛ الحوار بعيد وممنوع؛ الرأي الآخر خطيئة وممنوع، التفاهم محرّم وممنوع، العدّ إلى العشرة ممنوع ممنوع ممنوع.
خللي العقل منك، بتظلك كبير وصاحب واجب، اخزي الشيطان، طوّل روحك، امسحها بهاللحية، عبارات لم تعد قابلة للصرف في هذه الأيام لتحل مكانها هذه الإشارة وأخواتها من بكوس وشلاليط في أول تماس بين شخصين، عشيرتين، نائبين، متنافسين ..... إلخ إلخ إلخ. حتى الكبار في
المجالس باتوا صغارا بعد أن تطاول السبايكي على الشوارب واللحى.
وفي المباريات الرياضية نجد أن الضرب هو السائد؛ حيث تبدأ المباراة بضرب الكرة بالأرجل، وفجأة ومع سابق إنذار تتعالى هتافات التحريض والاستفزاز بادئة بالمعلقة المشهورة والتي مطلعها
:عاليهم عاليهم بدنا نكسر اجريهم، ليرد عليهم الطرف الآخر بمعلقة أكثر عدوانية. وأما مايحصل بعد ذلك داخل الملعب وخارجه فإنه ينبىء عن ضغائن دفينة ولكنها حية كلما وجدت لها سبيلا؛ هذه الضغائن التي كالدّمل؛ منظره قبيح، وريحه نتنة.
هذه هي إشارة الضرب التي لم نأخذ من معانيها العديدة سوى الظرب.