منذ نهايات العام المنصرم 2010 تنامت حالة من الوعي الشعبي في تونس لتستمر الى بدايات العام الجاري بعد اعوام من الفقر والذل والهوان التي عانى منها الشعب التونسي من قبل الجهاز الرسمي التونسي ...
اعوام من الفقر والجوع والذل وتدني نسبة الحريات العامة والتبعية السياسية ابى الشعب الا ان يستعلى على الذل والهوان فبدأت انتفاضة الاحرار في سيدي بوزيد الواقعة في تونس بالاشتعال عندما اقدم الشاب محمد بو عزيزي على احراق نفسه لرفضه للذل وللممارسات العرفية التي تقوم بها الاجهزة الامنية ، ليقدم بعدها بفترة وجيزة شاب تونس على رمي نفسه من فوق عامود للكهرباء وشاب تونسي آخريرمي نفسه في بئر وهذا يدلل على الواقع الاليم والمؤسف الذي يعيشه الشباب التونسي بشكل خاص والشعب التونسي بشكل عام ..
ومن الطبيعي ان تنعش هذه الانتفاضة في قلوب الاحرار البصيص من الامل ليتضامن الشعب الجزائري مع ما يحدث في تونس وسبقه بان اقيمت فعاليات تضامنية في العديد من البلدان العربية والاجنبية ليعلن فقراء وكادحي العالم انهم دائم مصطفون مع بعضهم البعض في معركتهم نحو الحياة والتخلص من الهيمنة الرأسمالية والسير قدما نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والاشتراكية ، بتقديري ان الدول العربية والدول التي يتزايد فيها معدلات الفقر والبطالة هي تسير نحو انتفاضات جماهيرية مشابه لما يجري الآن في تونس وهذا يؤكد على حالة الوعي الشعبي لحقوقهم المسلوبة .
انتفاضة سيدي بو زيد هي انتفاضة ولكن ليست بمثل انتفاضة الاقصى او اطفال الحجارة انها انتفاضة ضد الفقر والجوع والاستغلال والتبعية والارتهان للامبريالية العالمية ، هي انتفاضة تمثل عامة الشعب التونسي والشعب العربي ولن ابالغ بالقول ان هذه الانتفاضة ستكون فاتحة خير على الامة العربية من مشرقها حتى مغربها لان الواقع العربي هوة متماثل في كل الدول العربية ..
ان ما يحدث في تونس "سيدي بوزيد" اليوم هو عبارة عن حالة تنامي للقوى الشعبية ضد الظلم وانها بمثابة صفعة على وجه القيادة التونسية التي باتت مثل اخرياتها بالدول العربية بعيدة كل البعد عما يجري في داخل الاطار الشعبي .
والفريد من نوعه ان جميع الحكومات العربية حينما تذيق بها الطرق يوجهون اصابع الاتهام الى الاحزاب وكأنها تحرضها وتصفها بانه تهدف الى زعزعة الامن الداخلي للدولة وانها جماعات تخريبية لانهم يحاولون التهرب مما يجري في دولهم من نكسات وضروف قاسية يعيشها الشعب العربي في شتى بقاع العالم العربي ..
في ظل الظروف القاسية والمؤلمة التي يعيشها الشعب العربي من ارتفاع حاد ومتتال في الاسعار ومن تضييقات امنية على الحريات العامة ورفض الرأي الآخر والارتهان للسياسة الامبريالية بالمنطقة ، وتعزيز التحالف الرأسمالي في كل الدول العربية مما جعل الواقع الطبقي اكثر تعقيدا وادى الى اختفاء ما تسمى بالطبقة الوسطى لنصبح على طبقتين طبقة البرجوازية وطبقة الفقراء المسحوقين ، وقلة الدخل بالاسر وازدياد في معدلات البطالة مما ينعكس على ازدياد في نسبة الفقر كما يحدث الآن في احدى الدول العربية اذ تقول احصائية في تلك الدولة ان 2% من شعب تلك الدولة يملكون ما يملكه 98% ، وانتشار وتكاثر دور الكمبرادور الذي اثر سلبا على الاقتصاد المحلي في الدول العربية ، وهذا وهناك المزيد من الحالات التي تكرس حالة التبعية الاقتصادية التي تؤثر على الحالة السياسية وعسكرية ليصبحان مكرسان ايضا لحالة التبعية ..
هناك مؤشر لحالة تنامي قوى اليسار في العالم العربي وازدياد تأثيرها على القوى الشعبية كونها تتألف في غالبيتها من الطبقة المسحوقة وهذه الحالة هي تحصيل حاصل بمعنى ان السبب الحقيقي في هذه الحالة من التنامي لا يعود الى ان المنظمات والاحزاب اليسارية في حالة قوة والسبب الحقيقي يعود الى الظروف القاسية التي يعيشها الشعب العربي ..
انا لا اقلل من دور الحركات اليسارية بل ان الدور الملقى على عاتقها اليوم هو كبير واصبحت ملزمة بأن تكون في طليعة القوى التي تدافع وتتبنى هموم الشارع العربي وفي مقدمتها الخوف على لقمة العيش والسكن ، وآن الاوان على الاحزاب اليسارية ان تترك العزلة التي تعيش فيها وان تنزل وتقف جمبا الى جمب مع الجماهير كي تعود الى مجدها ، مع مراعاة التضييقات والضغوطات التي يعاني منها اليسار العربي في معظم الدول العربية وتخوف الانظمة العربية من حركة النهوض اليساري لانه سوف ينعكس على وعي الشارع العربي وبالتالي ستتكرر انتفاضة الجوع والظيم التي يعاني منها الشعب التونسي الشقيق ..
في وقت قريب اعلنت الكثير من الاحزاب والمنظمات العربية تضامنها ووقوفها الى جانب انتفاضة الاحرار في تونس وفي الحقيقة انا كشاب يساري لست متضامنا مع ما يجري للاهل في تونس وانما انا اؤمن بانني جزء من اي حالة شعبية تقوم في اي قطر عربي او عالمي فانا مع ما يجري في تونس تونسي ومع الجزائر جزائري ومع الاردن اردني ومع فلسطين فلسطيني ...
في هذا الوقت وبعد الصفعة التي وجهت للنظام التونسي آن الاوان للانظمة الرسمية العربية لاجراء مراجعة شاملة لكل سياساتها الداخلية وحتى الخارجة لان واقع الحال في كل الدول العربية متشابه والشعب اثقل كاهله في شتى امور الحياة وفي هذه الحالة اصبح من الممكن والاصح هنا انه من الارجح ان تقوم بانتفاضات مشابه في كل الاقطار العربية التي قد تؤثر على "الكرسي" الرسمي ..
ويجدر بي تثمين الدور الذي يقوم به مناضلي الحزب الديمقراطي التقدمي وحزب العمال الشيوعي التونسيين بعد حملة الاعتقالات والتضييقات التي حصلت بحقهم، ننحني اجلالا وتقديرا لكل من ناضل من اجل الحفاظ على لقمة عيشه وعلى حقه ، فكل التحية للشعب العربي التونسي،وفي النهاية اوجه التحية للاهل والرفاق المناضلين في تونس الحرة وللاهل في سيدي بوزيد الذين سطرو بدمائهم اروع التضحيات ضد الفقر والجوع والذل والهوان آملين جميعا بان تتحسن اوضاع جميع الشعوب العربية وتقدمها نحو الافضل ...
بقلم :معاذ القصراوي