طالعنا بعض كتابنا الأعزاء في الأيام الماضية بمقالات طالبوا فيها بإغلاق الجامعات الأردنية، ولا شكّ أنّ الذي دفع خالد محادين إلى هذه الدعوة، ومساندة طاهر العدوان له فيها هو الغيرة على الوطن، والخوف من القادم، لاسيما إزاء كثرة الحديث الذي يتداول حول الجامعات وما يسودها من مظاهر عنف، وما يتبع كل ذلك من تصريحات، ومشاجرات، وتهديدات...، وكذلك كثرة القوانين الناظمة لمؤسسات التعليم العالي، وكثرة الأخرى الناكثة لها، وكثرة التغييرات التي جرت على مجالس أمنائها أو إداراتها، ولكن والحق يقال إن الناظر في شؤون الوطن يرى أنّ الجامعات ليست وحدها التي نالها ما نالها من عدم استقرار وعنف؛ فأما كثرة التغيرات التي أصابت قوانين التعليم العالي الخاصة بالجامعات، والتغيير بالإدارات، وكل ما تبع ذلك، فقد أساء إلى الجامعات بالفعل وإلى سمعتها، فالإدارات الثابتة، والعمل المؤسسي في المؤسسات هو من أهم أسباب نجاحها، والتمهل في اتخاذ القرار السليم البعيد عن كل شبهة هو الأولى بالتقديم، لكن ما نلاحظه هو تسرع باتخاذ القرارات، يقابله تسرع بانتقادها، ومن ثمّ إبطالها، وهذا كله رغم خطورته، ونتائجه السلبية لا ينطبق على الجامعات فحسب، بل على كثير من مؤسسات الدولة.
ولكن هل يكمن الحل بإغلاق الجامعات بكل ما فيها من إيجابيات، وكل ما لها من فوائد على الوطن لمجرد أن عددا من أبنائها يمارسون العنف؟! وكم نسبة هؤلاء مقارنة بالطلبة الملتزمين الجادين؟ وماذا بقي للأردن بعد ذلك؟! علينا أن نعترف أن خريجي الجامعات الأردنية هم النفط الأبيض للوطن، وما هذه التحويلات التي تصل تباعا إلا من نتاج سواعد خريجي الجامعات الأردنية، بل إن جانبا مهما من السمعة الإيجابية للأردن في الخارج هي من صنع عقولهم وسواعدهم، أما في الداخل فالوطن قائم على أكتافهم، فإن نحن أغلقنا الجامعات فماذا يبقى لنا؟!
إن النظرة العجلى لموضوع العنف تؤكد تكاثره في مجتمعنا في السنوات الأخيرة، وفي هذه السنة تحديدا رأينا منه أشكالا متعددة، بدءاً مما جرى في إثر إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، وما حدث في جلسات المجلس التشريعي المنتخب من قبل الشعب، وما ساد جلساته الأولى من تضارب وشتم، ومرورا بما هو حديث الإعلام الأردني عن مثل هكذا حالات حدثت بين الناضجين من أبناء الأردن في أسواق الحسبة وغيرها، وانتهاء بجرائم معان الدائرة هذه الأيام... وقس على ذلك تزايد حالات الانتحار، وجرائم الأسرة، والاعتداء على الأمن...، فكيف لنا بعد ذلك كله أن نستغرب سلوك عدد من أبنائنا ممن هم في الجامعات؟! وهل الجامعات مسؤولة عن هذا العنف، أم أنّ الظروف السياسية والاجتماعية هي المسؤولة عمّا يحدث في الجامعات؟!
المجتمع كله مسؤول عن موجة العنف هذه، فإذا بدأنا بإغلاق الجامعات منعا لتفاقمه، فسيقودنا ذلك إلى إغلاق مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى، وسيصل بنا الأمر إلى الجلوس بالعراء؛ لأننا سنغلق بيوتنا أيضا التي لم تسلم هي الأخرى من درجة من درجات العنف وصل بعضها إلى مقتل الأم لأطفالها، أو الابن لأمه، مثلما رأينا قبل شهور خلت، وعلى هذا فالحل لا يكون بإغلاق الجامعات، وإنما بإغلاق كل ملف مسبب للعنف فيها، وبالمقابل فتح كل ملف يساهم في رفعتها وتطورها، وإعلاء شأنها.
amalnusair@hotmail.com