... مع عودة السيد مقتدى الصدر إلى العراق بعد غياب استمر لأربع سنوات وبموافقة القوات الأمريكية و ترحيب الحكومة العراقية والتكتلات السياسية المختلفة في العراق ، فأن الحال في العراق قد يتبدل وينتقل إلى مرحلة سياسية وأمنية يرغب الجميع بتحقيقها ، فالقوات الأمريكية التي كانت تعتبر قوات المهدي التابعة للصدر بمثابة التهديد الأكبر للاستقرار في العراق و تتهمه بشن عمليات مسلحة ضد القوات الأمريكية و باغتيال العالم الشيعي عبد المجيد الخوئي داخل مرقد الإمام علي في النجف تجاوزت عن المطالبة باعتقاله بل ومنحت حكومة المالكي الأذن بالإفراج عن المئات من أنصاره وقادته العسكريين الذين ارتكبوا مجازر بشعة بحق الشعب العراقي ورموزه الوطنية ، يشير إلى حراك أمني وسياسي ترغب الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تأمينه قبيل الانسحاب الأمريكي من العراق والخروج بمظهر المخلص والمنتصر في تحقيق أهدافها التي فشلت في تحقيقها سنوات عدة ولاقت سخط واستياء المواطن الأمريكي نفسه بسبب ما تكبدته من خسائر كبيرة على كافة الأصعدة .
ويشير الترحيب المعلن لعودة الصدر من قبل الكتل العراقية المنطوية في حكومة السيد المالكي الى تناغم أمريكي وإيراني وعراقي للانتقال إلى مرحلة جديدة من حياة البلاد التي عانت سنوات طويلة من اختلالات أمنية واقتصادية واجتماعية وعزلة إقليمية ودولية طالت البلاد ، ولذلك فأن عودة الصدر إلى العراق ستدعم لا محالة حكومة المالكي (رغم خشية الأخير من ان يكون التيار هو المنافس الأكبر له مستقبلا ) وتؤمن له استقرارا حكوميا ،إذ يشارك التيار الصدري بثمانية وزارات داخل الحكومة إضافة إلى منصب النائب الأول لرئيس البرلمان ، ويعمل كذلك على تخفيف التوتر مع التيار الذي يستحوذ على 40 نائبا في البرلمان ويمنع حجب الثقة عن حكومته فيما لو دب الخلاف مستقبلا مع القائمة العراقية ذات الأغلبية السنية ، كما ويؤمن للمالكي فرصة استعادة الأمن وتخفيض التوتر الذي تفتعله مليشيات الصدر مع القوات الأمريكية بحجج مقاومة المحتل الذي أعلنها مقتدى علانية قبل يومين من ان مقاومة الاحتلال يمكن ان تكون مقاومة ثقافية كذلك !! ويمهد كذلك لمرحلة توافق شيعي كبير في مواجهة الكتل والمليشيات السنية الفاعلة في العراق ويحد من الضربات الموجعة التي تنفذها تلك المليشيات ومنها تنظيم القاعدة .
وعلى الجانب الأخر ينظر بعض القادة من كتلة العراقية ذات الأغلبية السنية إلى ايجابية عودة الصدر لتخفيف الاحتقان بين مليشيات جيش المهدي التابع للصدر وبين العديد من التشكيلات والرموز السنية في العراق وتؤسس لبناء شراكة فاعلة ضمن حكومة المالكي وما يمكن أن تلعبه التشاركية في الحكم إلى توافقات مستقبلية على كافة الأصعدة وخاصة إذا ما تم الاستفادة من الخلافات بين التيار الصدري وحزب الدعوة الذي يقوده المالكي لخلاف التوجهات الدينية والمرجعية بين الطرفين ، وكذلك تستفيد تلك القائمة الى منع المالكي من التفرد والحكم المطلق كما كان الحال في الحكومة السابقة حيث المعاناة الطويلة التي طالت رموز سنية وشيعية اختلفت مع المالكي بداية عهد الوزارة السابقة وانتخابات مجلس النواب الأخيرة .
عودة الصدر ومن قبلها إجراء انتخابات البرلمان العراقي وتشكيل الحكومة بمختلف التكتلات المتصارعة والانفتاح على المحيط العربي والتحضير لمؤتمر القمة القادم قبيل الانسحاب الأمريكي يشير الى ترتيب أمريكي وإيراني فاعل ينتقل بالعراق إذا ما استمر بتلك التشاركية الايجابية و بعيدا عن التزمت ورفض الأخر إلى دخول العراق مرحلة جديدة من التفاهم والاستقرار والبناء الذي ينشده الجميع بعيدا عن التشيع لطائفة او مذهب كان العراق هو الخاسر الأول في تلك المرحلة .