في هذه الأيام، لاحاجة لنا إلى بعد نظر، ولا إمعان في التفكير والتحليل والتفسير لما يحدث وسيحدث في مجتمعاتنا العربية، ومجتمعنا الأردني باعتباره من هذا النسيج الذي يوشك على التداعي والانهيار إن لم يتم تدارك ماوصلنا إليه من تراجع في كافة المفاصل الحياتية، بدءا بلقمة الخبز وليس انتهاء بمنظومة القيم التي تحصن المجتمع من الهزات وارتداداتها، وتنسج سداة المجتمع ولحمته. ولا أدل على ذلك من هذه الكتل السرطانية ممثلة بالعنف الذي يثب من الشمال إلى الجنوب، ويقفز شرقا وغربا متجاوزا الأفراد والأسر والعشائر أكانوا في المدن أم الأرياف، وفي المدارس أم في الجامعات.....فيأخذ صورة القتل هنا، وهيئة التخريب هناك. ومن ثمّ على شكل انتفاضات الجوع في تونس والجزائر حيث تهتز الدولة بكل مكوناتها وهنا سيكون الخاسر الوحيد هو (الوطن المواطن)؛ فالغضب لايُجنى منه عنب ولا زبيب، والجوع لايتواءم مع الأمن والأمان؛ فسبحانه وتعالى أطعم القرشيين من جوع وآمنهم من خوف. أفبعد قول الله تعالى هذا قول!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
إن نذر الهبّات بادية للعيان، وهذه الهبّات لم تولد دون رحم وحاضنة، بل تعددت حواضنها وتنوعت؛ فهناك تعثر في النمو الاقتصادي، يعالج من قبل الحكومات المتعاقبة بمزيد من الغلاء، واللجوء إلى سياسات وإجراءات وكتل صخرية على كاهل هيكل آيل إلى السقوط. وهناك المناصب المختومة باسم فلان وعلان وعلنتان ممن لم نر في عهدهم سوى مزيد من الأسباب التي تؤدي إلى الاحتقان الذي يبحث عن مستصغر شرر لينفث غضبه وسمه على صورة مسيرات واحتجاجات واعتصامات ورفع شعارات والتنادي بهتافات. إلا أن الخطر كله يكمن فيما لو تجاوز هذا السقف حدّ المعقول والمنطق، عندها سيحصر الوطن في زاوية لايحمد المكوث فيها، عندها سينسكب مافي المرجل من ماء مغلي ليحرق ماتطاله اليد، عندها سنجد الجرأة الملعونة على تخريب مؤسسات البلد ومبانيه الحكومية منها والخاصة بعد أن ينفلت الغضب من عقاله وضوابطه. عندها لاسمح الله سيلتقي رجل الأمن وجها لوجه مع شقيقه أو ابن عمه، عندها سيلوح المواطن بهراوته في وجه جاره أو ابن عشيرته، عندها سيختلط الحابل بالنابل ولن تجد الحلول الترقيعية السطحية مكانا لها، عندها لن نستطيع أن نواري سوآتنا أمام من يتربص بنا شرا وسنكون مسخرة ومصخرة وأضحوكة للآخرين.
وفيما سبق، فإنني أحاول التفسير لا التبرير؛ فالتطاول على الوطن؛ مؤسسات وشوارع ومحال تجارية وغير ذلك مرفوض بأي شكل كان. فماهذا إلا انتحار ذاتي نؤذي به أنفسنا ليس إلا. والتصدي إلى القوات الأمنية ورشقها واستفزازها وإهانتها مرفوض؛ فهؤلاء ربعنا وأقاربنا وأخواننا وهم حراثون مثلنا، يقومون بواجب نحن أول من نطالبهم به من حفظ أمن وتوفير أمان. وكما نعلم جميعا فإن الأجهزة الأمنية تعد خطا أحمر لايجب التطاول عليه، فهم الأمناء على أموالنا، والحماة لأعراضنا، والضاربون بيد من حديد وأخرى من بولاد كلّ من يحاول العبث والتدمير والإساءة لهذا البلد. ونعم وستون ألف نعم لكل رفض لسياسات قادت إلى التجويع، واستشراء الفساد، ونهب ثروات البلد. نعم وألف نعم لكل بصقة في وجه الحرامية والسرسرية، ومن لفّ لفيفهم. والمصيبة الكبرى أنهم يسرقون ومن ثم يتم سداد ماسرقوه من خزينة الدولة التي يُصَنَّعُ جزء من معدنها من جيوب المواطنين لتعود إليهم على صورة خدمات عامة ينتفعون بها، وبما أن المواطن يساهم في رفد الخزينة، وبما أنه ليس هو السرسري ولا الحرامي، فلا يجوز أن يتحمل ما تقترفه أيدي الشّذّاذ والشواذ.
نحنحة، فشكوى، فتململ، فحراك،فاعتصام، فاحتجاج، فمسيرة، فتخريب، فاشتباك، فاعتقال، فسجن، .................إلخ إلخ إلى نهاية هذا المسلسل المكسيكي الممل. فياأيها المسؤولون: روي قديما أن أحدهم كان يباهي الآخرين بقدرته على تجبير الكسور، فانبرى له آخر وتحداه بقوله: وأما أنا فأقوم بعملية التجبير قبل حدوث الكسر. فجبّروا الكسر قبل وقوعه؛ فالكسر بحاجة إلى زيارة صاحبه، والزيارة لن تكون إلا بتأبط كرتونة بيض وقطرميز حليب مشان الكلس، أي أن تبعات هذا كله سيعود على الجيوب بالويل والثبور. وقانا الله تعالى شرهما وشر أسبابهما.