... أسوأ ما في حكوماتنا أنها تختزل الاستياء الشعبي وحالة الغضب العامة التي تعم إرجاء الوطن قي ارتفاع الأسعار فقط ، فتلجأ كلما شعرت بحراك شعبي إلى تخفيض أسعار بعض المواد في محاولة يائسة منها للتخفيف من تلك الاحتقانات التي قد تصل إلى درجة المواجهة مع السلطة لا سمح الله والتي بدأت مجموعات من فئات مجتمعنا تحضر لها ألان لأن الكيل طفح من كل جوانبه ، ولم يعد بالإمكان الصمت والهمس والكلام المعلن الممزوج باللعن والسخط على ما يجري بحق الوطن وأبنائه .
فثقافة الفساد الممنهجة والمحمية بحكم القانون والشللية والمحسوبية التي تنخر جسد الوطن تثير في النفس الاشمئزاز والقهر والاستياء ، والوطن يسرق وينهب وتباع مقدراته وخيراته في صفقات حسبها الناس تطويرا وتنمية وإبداعا وعلى طريقة نيرون الذي احرق روما اعتقادا انه يعيد بنائها بشكل أفضل !! احرقوا بلادنا بمشاريع الخصخصة وبيع المؤسسات الوطنية الكبرى ليس حبا في الوطن بل لأن لهم في الصفقات نصيب الأسد دولارات ترسل إلى بنوك خارجية ، يتضاعفون ولا ينحصرون حتى في أشد أوقات تعرض البلاد للمحن ، يعدون العدة لتوريث أبنائهم صنعة الفساد التي تجعلهم أسياد قوم لا قبل لأحد في مواجهتهم !! مكنوا أنفسهم بقوانين وتعليمات تحمي فسادهم ، يجيرون موارد وقدرات الوطن خدمة لمصالحهم ومؤسساتهم الخاصة بقوانين تضاعف من رسوم وتكلفة الخدمات التي يقدمونها للناس ، تطاولوا على الوطن وباعوا مقدراته ، ينتظرون أن تبلغ حتى الشجرة عمرها الأول لتعرض في مزاد حتى ينهلون من صفقاتهم مالا ! يعتلون وحدهم قمة هرم المسئولية في بلادي منذ عقود وعقود ، يحتكرون استيراد حاجات الناس والتلاعب بأسعارها بدعم ومؤازرة الحكومات ، يتباهون بفسادهم دون خجل او حياء ، يسمونهم الناس شطارا ! ويسميهم الله كفارا ! يقيمون تحالفاتهم مع بعضهم البعض ، شبكة عنكبوتية أداروها بعناية فاقت بإدارتها وسطوتها وخرابها شبكات المافيا والماسونية، عدوهم الأول هو المواطن النزيه !! إنها مافيا تحكم البلاد حكم اللئيم في الفقير ! وقد آن أوان الفقير أن يتوقف عن الهمس وينتقل إلى مرحلة المواجهة مع المافيا إكراما لوطن يضم رفاة أجداده وذكريات أيامه !!
عجبتُ لمنْ لا يجدُ قوتَ يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه !
صناعة الجوع كفر ، والحرمان من الدفء كفر ، فمن يقوى اليوم من غالبية الناس توفير صفيحة كاز يعادل سعرها ضعف دخله اليومي لمدفأة ليلة صقيع قاتل ! الجوع صناعة الكفر ، فلا مقدرة لغالبية الناس على إطعام أطفالهم الجياع ، و صد باب العلم فسق فلا حيلة لغالبية الناس في تعليم الأبناء ، فكل مكارم التعليم توزع هبات ووساطات دون وجه حق ، حرمان يتلوه حرمان ، والشباب المتضرع للعلم والسكينة والاستقرار يجول ويجول باحثا عن اللقمة قبل العروس ليبلغ مرحلة الشيب ، يكتم رغباته ومشاعره البشرية ، يعيش مشردا في الشوارع وألازقة ، لا ينتظر الكثير منهم تحسين الحال فيسارع للخمر والميسر وارتكاب الفواحش والسرقة و المخدرات والممنوعات تاجرا اومتعاطيا ! ونساؤنا لا جرم ولا جنحة لهن في اصطفافهن طوابير العوانس والحرمان سنين وسنين حتى يمضي القطار وما يفجر صبرهن إلا سيدة تقيم حفلة ميلاد كلبها بأموال تكفي زواج عشرة رجال !!
السكن الكريم ... حلم كل أردني من الدرجة الثانية ! سرقوه بصفقات الحديد والاسمنت والأراضي ، وخانوا أماناتهم وخانوا أيضا أحلام الناس ! ولم يحرك أحد ساكن لوقف التمادي والفساد ، وغدت تلك السكنات خرابات في صحراء لا حياة فيها ! فماتت الفكرة ومات الحلم ! وبقيت الحسرة في قلوب الحالمين بسكن كريم !
حقوق الناس ... سلبوا حق الإنسان في التعبير عن رأيه ، وقالوا انه عمل تخريبي يشوه صورة الأردن !! وهل ابقوا من الصورة بقعة بيضاء ! سلبوا حق المعلم في نقابته وقالوا غير دستورية !! وهم الأكثر تطاولا على الدستور نفسه ! حسبوه جائعا فرموا إليه بعلاوة لا تسمن ولا تغني من الجوع ! سلبونا حلم بناء مؤسسات وطنية ديمقراطية أضعفوها بقوانين الصوت الواحد والدوائر الوهمية والتلاعب بالأصوات ، وغدا مقعد البرلمان والبلديات وستغدو الأقاليم والحارات حكرا على مواطني الدرجة الأولى ! رؤساء وزراء ووزراء واعيان وتجار وسماسرة ومتعهدين ! منحوا الثقة لحكومة ازدادت مع حضورها أرقام الفقر والجوع والتطاول على الدستور وتوسيع قاعدة المحسوبية في التعيينات العشوائية المستندة إلى الشللية المنتنه .
وبعد فأن ما يجري وما سيجري هو بعض قليل من غيض الناس من بحور فيضهم ... فهل انتم عاقلون !!