محمود أبو فروة الرجبي
في البداية كنت أريد ان أضع عنوانا لهذا المقال (المسيحيون في بلادنا)، لكن العنوان يوحي بأنهم طارئون عليها، وعلينا، وهذا ليس صحيحا، فهم جزء أصيل من بلادنا، ولهم اسهامات حضارية كبيرة فيها، وفي حضارتها، قبل الإسلام، واثناءه، وقد ساهموا مثل غيرهم من فئات المجتمع، ببناء الوطن، وإثرائه، وإغنائه.
تختلف اوطاننا عن كثير من بلاد الدنيا، بان مفهوم الأقلية لا ينطبق تماما على فئاتها المختلفة، فمن يدين بدين غير الأغلبية، تجمعه معها عوامل أخرى لها علاقة باللغة، والقومية، والأصل، وغيرها، ومن ينتمي إلى قومية أخرى، فهناك الدين، بل واللغة التي انصهر فيها، والتاريخ المشترك الذي يجعله جزءا أصيلا من المنطقة، لذلك فلو رسمنا في الأردن مثلا دائرة، ووضعنا فيها فئات المجتمع، فستمتلئ الدائرة بالألوان المتداخلة الدالة على العوامل المشتركة، الكثيرة، وهذا لا يدخل في باب المجاملة، بل هو عين الحقيقة.
ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع هو الحادث الاجرامي الذي حصل في مصر، ضد المؤمنين الأبرياء في كنيسة الاسكندرية، وهذا عمل مرفوض إسلاميا، ولا نستطيع ان نجزم من الذي قام به، ولكننا نعلن رأينا من باب الموقف الثابت للغالبية العظمى للمسلمين اتجاه القتل والعنف المرفوض، ونأمل ان تتم معالجة الأمور بحكمة من جميع الأطراف مع ان هناك دلائل على فشل بعض الأجهزة هناك في استيعاب ما حصل.
الوضع العام في الأردن، وفي كثير من الدول العربية يتصف بالتسامح بشكل عام، وندعو الله ان تستمر المحبة بين الجميع.، وهنا اعترف ان هناك بعض المجاملة بين المسلمين والمسيحين في الأردن، وان بعض الانتقادات المتبادلة لا تخرج إلى العلن، ولكن هذا ليس سيئا، ويبقى الاحترام موجودا، وان كنا ندعو إلى مزيد من الحوار، واقصد به الحوار الجاد الذي يلتزم بأدب الحوار، وبمنهجية واضحة، تقرب أكثر مما تبعد.
وإذا درسنا الخطاب الفردي عند المسلمين والمسيحيين في الأردن، نلاحظ أحيانا وجود بعض الشحن السلبي ضد الآخر، وهذا يحتاج منا إلى الانتباه، والبحث عن العوامل المشتركة، واسكات من يحاول ان يقوم بهذا الشحن، وعدم السماح له بان يقول ما يقوله على مسامعنا.
وفي هذا السياق فإنني أدعو إلى بعض الأسس التي تساعدنا على ذلك في الأردن، والوطن العربي، ومنها:
أولا: التركيز على مبدأ التعايش، لأن كل إنسان في هذا المبدأ يستطيع الحفاظ على هويته، وخصوصيته دون ان يؤثر على الآخرين وان ينتقض من حريتهم.
ثانيا: يجب ان يسود مفهوم المواطنة في الدول العربية، ومن المفترض ان يقوم هذا المفهوم على مبدأ الأفضل في الوظائف، والمناصب، وهذا الأمر لا يعد مشكلة للمسيحيين فقط، بل للغالبية العظمى من الدول العربية، التي تقوم فيها المناصب على عوامل آخرها الكفاءة، والجميع في العالم العربي، بل والإسلامي يعانون من المشكلة نفسها، وان كانت مشكلة المسيحيين أكبر في بعض الدول، أو في مجالات معينة.
ثالثا: يجب ان يتوقف الجميع عن الشحن السلبي ضد الآخرين، وهذه أيضا مشكلة ليست بين المسلمين والمسيحين فقط، بل وبين مختلف اطياف المجتمعات العربية، فيكفي الجلوس في مكان، وتبدأ كل فئة في تبيان مساوئ الفئة أخرى، وكأن الكبرياء في بلادنا لا يبنى الا على تحقير الآخرين، ولا يمكن ان اشعر بالعزة، وتقدير الذات، الا إذا حقرت، وقللت من شأن الآخر.
رابعا: من المهم ان يعرف الجميع في الأردن والوطن العربي، كل شيء عن الفئات الأخرى التي تعيش في الوطن نفسه،فهناك جهل عند البعض حول بعض الأمور عن الآخرين، بل وتسود أحيانا بعض الخرافات، والأساطير، والقصص الكاذبة، خاصة تلك المتعلقة بالعقائد، والحلال والحرام، وهناك تجارب في هذا المجال في الدول الغربية، حيث تقدم للأطفال في المدارس معلومات جميلة عن الأطراف الأخرى، بل ويصل الأمر إلى ان تكون صور المنهاج شاملة لكل فئات المجتمع، التي تقدم بطريقة يتم فيها الافتخار بالتعدد الموجود فيها.
دعونا نعمل لتجذير تواجد المسيحيين في بلادنا، والا نتركهم وحيدين بسبب بعض الدعوات الشاذة التي تخرج من هنا أو هناك، أو بسبب التهويل في المد الإسلامي، فنحن يجب ان نطمئنهم، لنعمل على ان يكونوا كما كانوا دائما جزءا اساسيا في المجتمع، والا نعطي الفرصة لبعض الجهات الخارجية لتقديم نفسها على انها الحاضنة البديلة عن الحاضنة الوطنية أو القومية بالنسبة لهم.
وفي الجانب الآخر يجب توضيح ان هناك فئات من المسيحيين تقف ضد التبشير، وهو موجه في العادة نحو مسيحيي المذاهب الأخرى ابتداء، ثم نحو المسلمين، ويمكن التركيز على ذلك من القيادات الدينية المسيحية بشكل أكبر، والإعلان عن الوقوف ضد هذا الأمر.
هذه بعض الأفكار التي يمكن ان تثرى أكثر في هذا الشأن، بانتظار صياغة هوية وطنية تؤلف بين الجميع، في مختلف الدول العربية، وتعمل على صهرهم في بوتقه واحدة.
حمى الله الوطن العربي، والأردن، واوصلنا إلى الهوية الجامعة التي تصهر الجميع في إطار له علاقة بتحقيق الأهداف العامة للأمة، واستنادا إلى الرصيد الحضاري المشترك الكبير، وعوامل التجميع الأخرى، ومع تغيير بسيط في خطابنا، ستتغير طباعنا، ووقتها سنفرح للفسيفساء رائعة الجمال التي تشكل أمتنا.
Mrajaby7@yahoo.com