زاد الاردن الاخباري -
خلال اقل من عشرة أيام فقط، رد مجلس النواب للحكومة مشروعي قانونين، الأول مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية، الذي رده النواب أول من أمس، والثاني مشروع قانون تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية، المردواد في جلسة العاشر من الشهر الحالي.
ووفق الدستور، فإن ما قام به المجلس التشريعي حق مكفول له، إذ تقول المادة 91 من الدستور "يعرض رئيس الوزراء مشروع كل قانون على مجلس النواب الذي له حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه، وفي جميع الحالات يرفع المشروع إلى مجلس الأعيان، ولا يصدر قانون إلا إذا أقره المجلسان وصدق عليه الملك”، وتقول المادة 92، منه "إذا رفض أحد المجلسين مشروع أي قانون مرتين وقبله المجلس الآخر معدلا أو غير معدل يجتمع المجلسان في جلسة مشتركة برئاسة رئيس مجلس الأعيان لبحث المواد المختلف عليها، ويشترط لقبول المشروع أن يصدر قرار المجلس المشترك بأكثرية ثلثي الأعضاء الحاضرين، وعندما يرفض المشروع بالصورة المبينة آنفا لا يقدم مرة ثانية إلى المجلس في الدورة نفسها”.
وهذا يعني أن رد القانون من قبل النواب يعني ذهابه لغرفة التشريع الثانية (الأعيان) وهناك يعامل المشروع معاملة أي قانون، إذ يمكن رده والموافقة على موقف النواب، أو تعديله او قبوله كما هو، وفي تلك الحالة يعود المشروع لغرفة التشريع الأولى (النواب) الذي له الحق إما بالاصرار على موقفه أو قبول تعديلات الأعيان، وفي حال أصر النواب على رأيهم يعود المشروع للأعيان الذين يتوجب عليهم النظر في موقف النواب، وإذا اصر الأعيان على موقفهم تذهب غرفتا التشريع لجلسة مشتركة.
هذا فيما يتعلق بالسيرورة التشريعية لأي مشروع قانون أو قانون يتم رفضه، بيد ان القراءة السياسية للحدث تؤشر إلى ابعاد مختلفة، ويمكن الذهاب في التفسيرات لآفاق متعددة، يمكن البناء عليها، والذهاب في استنتاجات متشعبة، فبحسب مراقبين ومتابعين يمكن ان يتم التعامل مع الأمر باعتباره حقا دستوريا طبيعيا مارسه النواب لا يحمل في طياته اية رسائل تتعدى ذلك، كما يمكن ان يقرأ المشهد باعتبار أن ما جرى ينذر ببداية علاقة متوترة تلوح في الأفق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما يمكن لفريق ثالث ان يقرأ ما جرى باعتباره بداية طريق النهاية لـ”التنفيذية”.
ويرى نائب مخضرم ان تكرار عملية الرد لمشروع قانون آخر، بات يقرأ بابعاد مختلفة "فلو ان الرد توقف على مشروع قانون واحد فيمكن اعتباره عاديا، ولا يحمل في طياته ابعادا مختلفة”، ويستحضر النائب ذاته ما جرى تحت القبة في جلسة أول من أمس، مشيرا إلى أن اصحاب مقترح الرد كانوا النواب: عبد الكريم الدغمي، خليل عطية، خالد البكار، فيصل الاعور، واولئك كانت لهم رؤية رافضة لمشروع القانون.
رد مشروع قانون الجرائم الإلكترونية هو الذي فتح شهية المراقبين للتدقيق في المشهد النيابي، ومحاولة قراءته بتعمق أكثر، خاصة أن مشروع القانون له سيرورة وتاريخ مع مجلس النواب، إذ أن المشروع السابق تم سحبه بناء على طلب من رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، الذي طالب الحكومة وقت ذلك بإعادة النظر بموقفها من مشروع القانون وإعادة الحوار حول مضامينه، ومدى تعارضه مع مبدأ الحريات العامة المصونة دستوريا، ما دفع حكومة عمر الرزاز لسحب مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الذي كانت قدمته حكومة هاني الملقي، والعمل على تقديم مشروع قانون جديد بعد إعادة النظر بتعريف خطاب الكراهية حيث بات يشمل "كل كتابة وكل خطاب أو عمل يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الدعوة للعنف، أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة”.
كما تضمنت التعديلات فتح المادة 11 من القانون الأصلي بحيث تم وضع حد أعلى للعقوبة بواقع سنتين، وبالتالي فإن هذا الجرم لا يستوجب التوقيف، ولا يجوز ملاحقة الفاعل إلا بناء على شكوى؛ وعلى المشتكي أن يتخذ صفة الادعاء بالحق الشخصي، على أن يتم وقف الملاحقة في حال إسقاط الشكوى.
كما نصت التعديلات الجديدة على تجريم الإشاعات والأخبار الكاذبة، بحيث يتم إيقاع عقوبة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين، وإتاحة ممارسة حق النقد المتعلق بالواجبات الوظيفية وفقاً للضوابط الواردة في المادة (2/192) من قانون العقوبات، التي تنص على أنه إذا كان الذم يتعلق بواجبات الوظيفة فقط، وثبتت صحته فيبرأ الذام، وإلا فيحكم عليه بالعقوبة المقررة للذم، أما بخصوص التعليقات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها التعليقات الواردة على صفحات المواقع الإخبارية، فقد نص القانون على أن من يُسأل عنها هو صاحب التعليق.
التعديلات الحكومية تلك بات واضحا انها لم تقنع النواب الذين يرون أن ما جاء فيها يحد من حرية الرأي والتعبير ويصادر الرأي الآخر، ولذا، جاء القرار النيابي في جلسة الثلاثاء برد المشروع، ما فتح الباب واسعا لطرح سيناريوهات لتفسير الخطوة، مع ملاحظة ان الدورة العادية الثالثة لمجلس النواب تنتهي في الرابع من نيسان (ابريل) المقبل، بمعنى ان في عمر الدورة بقية باقية، ما سيمكن السلطتين التشريعيتين؛ من ترطيب الاجواء بينهما أو زيادة حدة الفراق.