.. يقال إن وراء كل رجل عظيم امرأة. لكن هذه المقولة تصدق في حق رجال مستقيمين، نقلوا بلدانهم من البؤس والفقر والحروب إلى الرخاء والأمن، وساهموا في تعميق المسار الديمقراطي، وكانت زوجاتهم بمثابة الساهر الأخلاقي على توجهاتهم السياسية اليومية. ولم تتعاط هؤلاء الزوجات السياسة، بل رحن يعملن بسخاء وبتجرد في الحقل الخيري وفي مجال الرعاية لجمعيات أو منظمات غير حكومية. لكن حصل وفي بلادنا العربية تحديدا أن كانت وراء الرجال نساء من نوع أخر ، يتورطن ولا يتورعن عن تحريك الخيوط من مواقعهن السلطوية للإطاحة بخصم وتنصيب قريب على رأس مؤسسة أو هيئة حكومية او غير حكومية ، وهذا النوع من الممارسة خاصية من خاصيات السيدات الأوليات لبعض البلدان الديكتاتورية. ففي الدول الديمقراطية المتحضرة ينحصر دور السيدة الأولى في الأعمال والنشاطات الخيرية ، ولم يذكر التاريخ الحديث سطوع نجم شقيق او أقارب او أصدقاء للسيدات الأوائل في أي نظام ديمقراطي حر على عكس السيدات الأوائل في دول العالم الثالث والدول العربية منها خاصة و اللواتي تمردن في استثمار موقعهن وقربهن من قرار الحكم وشكلن نقطة استياء وسخط الجمهور وأضفن عاملا أخرا من عوامل التحرك الشعبي المنادي بتغيير الأنظمة والحكم كما كانت حال ليلى الطرابلسي .
خلال اتصالي المتكرر مع صديق تونسي يعمل في احد الصحف المعارضة هناك وكنت زاملته في الدراسة سنوات عدة قال لي ان غالبية الشعب التونسي تتحدث عن فساد عائلة عقيلة الرئيس والسيدة الاولى تحديدا وتدخلها في الحكم ! وقيادتها لشبكة مؤسسات فاسدة استطاعت تأسيسها تحت مسميات رعاية المرأة والطفل والأعمال الخيرية والإنسانية لمرضى السرطان والايدز والأعمال والريادية ومؤسسات مجتمع مدني كانت تضع المقربين من أسرتها على رأس هذه المؤسسات واستطاعت جمع أكثر من مليار دولار بتلك الطريقة لحسابها الخاص ، و رغم الملاحظات العدة التي أوردها مقربون من الرئيس حيال ممارساتها وفساد الطبقة التي استطاعت تشكيلها منذ العام 1992 إلا أن الرئيس لم يكن ليكترث بتلك الملاحظات بل وكان يجير مقدرات البلد في خدمة تلك المؤسسات ويقدم دعمه غير المحدود لتولي أقاربها معظم مؤسسات البلد ومنظماته الإقليمية الجالبة للدعم الخارجي فأخوها بلحسن الطرابلسي، متورط في صفقة طيران مشبوهة، باعتباره مالكا لمجموعة قرطاجو التي تحتكر سوق الطيران في تونس إضافة إلى راديو موزاييك ا.ف.م، أما ابنة عمها نجاة الطرابلسي، فهي برلمانية في حين تدير خمسة من صديقاتها وزارتين وثلاثة مؤسسات اقتصادية كبرى وخاصة صديقتها عاليا عبد الله التي تدير البنك التونسي .
لم اكتف بتلك الملاحظات ورحت ابحث في تاريخ هذه المرأة التي تنتمي لعائلة بسيطة، كان والدها بائعا للخضر والفواكه ، وبعد حصولها على الشهادة الابتدائية، التحقت بمدرسة الحلاقة، والتقت برجل أعمال يدعى خليل معاوي، وهي في سن الثامنة عشرة، وتزوجت منه قبل أن تطلق منه بعد 3 سنوات ،تزوجها زين العابدين بن علي، بعد طلاقه من زوجته الأولى نعيمة، كانت تعمل وفقا لسيرتها عاملة كوافيره في إحدى صالونات الشعر ، وبعد زواجها استحوذ أخوها بالحسن الطرابلسي على شركة الطيران كما استحوذ الكثيرون من أقارب ليلى الطرابلسي على قطاعات عديدة من الاقتصاد التونسي. وضربت شبكة أقربائها والمقربين منها (عائلة ليلى الطرابلسي وعائلة صهره الماطري) خيوطاً عنكبوتيه حول كل القطاعات كالهاتف الخلوي، البنوك، التعليم الحر ، وكان بداية عهدها التحايل على سهى زوجة الرئيس الراحل عرفات بمبلغ 2.5 مليون دولار من مؤسسة تعليمية كانتا أسستاها لطلاب الطبقة الغنية قبل ان تسحب منها الجنسية التونسية وتجبرها على مغادرة البلاد دون حل للمشكلة .
انتفاضة الشعب التونسي وجهت اتهامها الأول بالفساد لعائلتي الماطري والطرابلسي، والاثنتان تشكلان عائلة الرئيس بن علي ، هذا الاتهام لم يأت على خلفية ما كشفه موقع ويكيليكس عن ذلك.. ولا كتاب صدر في باريس لمؤلفين فرنسيين بعنوان \"حاكمة قصر قرطاج.. يد مبسوطة على تونس\" ولكن تمتد إلى عام 1997 عندما بدأت أسماء أفراد العائلتين تظهر في المفاصل الاقتصادية والمالية للدولة، فأعتبر محمد صخر الماطري زوج ابنة الرئيس وهي الابنة البكر للسيدة الأولى ليلى الطرابلسي احد ابرز رموز الفساد في البلاد ، إضافة الى أشقائه وأبناء عمومته الآخرين .
ما جرى في تونس ليس ثورة للجياع فقط ، ولم يكن شعار الخبز أولا هو محرك الجماهير التي تقبلت طلقات النار بصدورها العارية وقدمت عشرات الضحايا ، بل أن تغاظ النظام عن شبكات الفساد الرسمي والعائلي وتعاظم دور الفاسدين والطارئين على مسرح الحياة اليومية في تونس وانتهاج منهج بيع مؤسسات الدولة وثرواتها للغرباء والمنتفعين من سمسرة الخيانة وتحطيم اركان البلاد الاقتصاديةوالديمقراطية المشوهة بفعل سياسات ابعاد المعارضة والرموز الوطنيةاجتمعت كلها لتشكل الدافع الأكبر والأميز لتلك الثورة التي استطاعت قلب كل الموازين والتوقعات وتعيد الأمور الى نصابها بعد ان بلغ السيل الزبى وطفح كيل الكاظمين للغيظ من أبناء الشعب التونسي الغيور والمنتم لبلاده ولم يعد بالإمكان الصبر أمام وطن يباع وتنهب خيراته ويحكمه فاسدون بإقرار وموافقة رأس النظام ومباركته حتى قال فيه الشعب كلمته المدوية أول أمس ...