الفنانة الدكتورة ريم سعادة
أطل المنجم ميشيل الحايك في ليلة وداعنا للعام المنصرم ليخبرنا توقعاته للعام 2011 وهو الذي اكتسب مصداقية عالية من الجمهور المتابع له نظرا لتحقق نسبة عالية جدا من هذه التوقعات في كل عام....... وهذا العام توقع صدمة ستصيب الوسط الفني الاردني, ومن حينها وكل منا في الوسط الفني يحاول ان يفسر هذه الصدمة, هل هي وفاة احد نجوم الاردن او من الفنانين الرواد الذين افنوا العمر بعطائهم الفني .. وهل ?? وهل??.
لكن يا استاذ ميشيل انت لا تدري الصدمات التي تعرض لها الوسط الفني الاردني منذ سنوات وسنوا ت.... انت لا تدري بان الفنانين الاردنيين يعانون من اليتم في وطن يعج بالابوة والامومة للوافدين اكثر من ابنائهم الذين اتخذوا من انفسهم سفراء لوطنهم وحملوا رايته في كل المحافل الفنية العربية والعالمية . ويا ما ياما كانوا يعودون الى ارض الوطن محملين بالجوائز الذهبية والفضية والبرونزية ..... واصبح الفنان الاردني حاضرا في هذه المحافل والمهرجانات الفنية والمؤتمرات الثقافية والفنية سواء في لجانها او اداراتها او من خلال تقديم اوراق بحثية او المشاركة في الاعمال الفنية. ويكونون على قدر المسؤولية والسفارة لبلدهم ... ورغم كل هذا العطاء فما زال الفنان في وطني الاردن يعاني من اليتم وعدم الرعاية وفي اخر قائمة اولويات اصحاب القرار.
لقد صدم الوسط الفني الاردني عندما بدأت تتقلص نصوص الادوار الى مشاهد يحاسب عليها الفنان وبعدها انتقلنا الى مرحلة المياومة ... اصبح يسمع مقولة دورك في المسلسل موزع على اربعة ديكورات ونحتاج منك الى اسبوع زمان من التصوير وبناء عليه يتم تقدير الاجر فبعد ان كان الفنان يحاسب على الحلقة والساعة التلفزيونية اصبح يحاسب على عدد المشاهد والديكورات ?? وعند التصوير يجد نفسه الفنان مرتبطا بالعمل لاشهر وليس اسبوعا من الزمن . هذا غير الظروف اللاإنسانية التي يعايشها في مواقع التصوير, فيتعرض احيانا لحوادث تسمم من الوجبات, او لحوادث كسور اثناء التصوير فيعاني وحده من الالم في عنابر المستشفيات ويتكفل بتكاليف العلاج في حالات عدة, والابلى احيانا يخسر الدور فيستبدل بآخر حتى تستمر عجلة الانتاج . ناهيك عن الاجور المتدنية فعلى الفنان ملاحقة الجهة الانتاجية لاشهر واحيانا تتعدى الى السنة واكثر ليحصل على اجره, امور مأساوية اخرى يواجهها الفنان بعد توقيع العقود التي يحرم حتى من اخذ نسخة منها للحفاظ على حقه واذا طالب بها يعتبر مشاغبا ويوضع في القائمة السوداء فيحرم من العمل.
يا استاذ ميشيل ... لقد عانى وسطنا الفني من صدمات يمكن احصاؤها في مجلدات .. فقد صدمنا قبل اعوام عندما تم كسر باب بيت الفنانة القديرة رحمة الله عليها رشيدة الدجاني ليتم العثور على جثتها في الحمام بعد مرور ايام عليها وقد عانت صدمة الموت وحيدة . فقد كانت تعاني زميلتنا القديرة من السكري والضغط وفي ايامها الاخيرة اي قبل الوفاة تأزم وضعها المالي فاستغنت عن الصبية التي كانت تقوم برعايتها .. واصبحت تصطف في الدور في عيادات مستشفى البشير للحصول على العلاج . ورحلت عنا وهي ما زالت في الخمسينيات من العمر...
وماذا عن المبدعة فكتوريا عميش رحمة الله عليها التي تلقت خبر احالتها على التقاعد وهي في عمل فني خارج البلاد وفي ذروة عطائها... من منا لم يتابع يسعد صباحك .... فكانت النتيجة انها وجدت بعد ايام من وفاتها في بيتها ... والفنان القدير رحمة الله عليه محمود مساعد الذي احتاج الى الرعاية والعلاج .. وكم من المرات والمرات قرع الفنانون واهل الفقيد ابواب اصحاب القرار لتوفير العناية والتكفل بعلاجه ... ومات بعد ان ارهقته ارصفة الشوارع والازقة وكانت نهايته مأساوية.... وماذا عن الفنان حسن ابراهيم رحمة الله عليه الذي ما زالت عائلته تعاني من صلف الحياة حتى وقتنا الحالي... وماذا عن مرضانا .. لو تدري يا ميشيل الصدمات التي نعاني منها في وطننا... فالقلب يغص بها ..
وآخر صدماتنا غياب العمل الدرامي الاردني عن الشاشة المحلية والشاشات العربية ... صدمنا حين اصبح تلفزيوننا الوطني محطة بث للاعمال العربية وامتنع عن الانتاج المحلي منذ سنوات وسنوات مما دفع بطاقاتنا الابداعية من الممثلين والمخرجين للهجرة والترحال للبحث عن فرص فنية خارج الوطن ومع كل ذلك حملوا الراية الاردنية وحصدوا الجوائز واصبحوا نجوما في فلك الفن العربي ... ناهيك عن الطاقات الفنية من المصورين والكتاب والموسيقيين ومهندسي الديكور وفنيي الصوت الخ. كل هذه الطاقات خرجت من الوطن وانتشرت في المحطات الفضائية العربية والاجنبية وتميزت بادائها وعطائها...
وكانت صدمة اليمة للوسط الفني الاردني عندما تلقت خبر الغاء مهرجان جرش الدولي الذي كان نافذتنا على العالم العربي والدولي فكان منبرا لاطلاق الطاقات الفنية الاردنية والعربية الى فضاءات النجومية ناهيك عن فرص الاطلاع على الفنون الدولية والعربية والسياحة الفنية وفرص التشغيل وكنا نفاخر بهذا الحدث الفني ونتشاغل مع القائمين عليه لانجاحه وتحقيق اهدافه الفنية والثقافية ...
والصاعقة التي ضربت الوسط الفني بعد ان رفعت مؤسستنا الوطنية (مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الاردني) يدها عن انتاج الدراما الاردنية وغابت شركات الانتاج الصغرى في الاردن عن ساحة الانتاج للاعمال الدرامية الاردنية الامن شركة او اثنتين تعتمد في معظم الاحيان على الانتاج التنفيذي لشركات ومحطات وفضائيات عربية. اصبح المركز العربي الملجأ الانتاجي الوحيد لعمل الفنان الاردني التقني والدرامي رغم كل ملاحظاتنا ومطالباتنا في التحسين وتطوير علاقة العمل بيننا وبين الادارة في هذه الشركة لكننا كنا نكن لها الاحترام والتقدير لانها اخذت دور الجهات الرسمية التي كان عليها ان تتبنى رعاية الفنان الاردني واتاحة الفرص الفنية والتشغيلية له وحتى التدريبية .. وجاءنا خبر قرار الشركة بالهجرة والرحيل من ارض الوطن الى بلد عربي... فحرمنا حتى من هذه النافذة الوحيدة بعد غياب كل النوافذ الرسمية والوطنية التي تفاءلنا بها خيرا طوال السنوات الماضية ولم ننل منها سوى الوعود.
بعد كل ذلك انتشرت البطالة المبطنة في وسطنا الفني فالاذاعة الاردنية اوقفت انتاجها للاعمال الدرامية الاذاعية والتلفزيون الاردني اكتفى بالبرامج وشراء الاعمال الدرامية وحال المسرح الاردني انحصر بالمهرجان السنوي... وفي كل لقاء لنا مع صاحب قرار لا نتلقى سوى الوعود تلو الوعود.... والواقع الفني الذي نعايشه هذه الايام مأساوي على كل الاصعدة . واصبح الرواد يحلمون بشيخوخة كريمة بعد كل عطائهم .....
والفنانون الشباب اصبحوا يلهثون وراء بريق من فرصة فنية من الانتاج الوافد وينتظرون صلاح الحال ..... والنقابة بمجالسها المتعاقبة تحاول وتحاول وتقرع الطبول والاجراس وما من مجيب ... النقابة اصبحت امل الفنان في حمايته وعائلته من العوز والحاجة ولكن الحمل ثقيل عليها وتحتاج الى الدعم المادي والمعنوي من اصحاب القرار ... فصندوق التأمين للفنانين يعاني من العجز الكبير وينعكس ذلك على الخدمات العلاجية المتوفرة للفنان والامل ان يحصل الفنان الاردني على مكرمة من جلالته بالتأمين من الدرجة الاولى فهو ملاذنا الاخير واملنا في حفظ كرامة الفنان في شيخوخته ومرضه وصون عائلات الفنانين .
وأمل الوسط الفني الاردني ان يتعافى من الصدمات وان لا تصدق توقعات الاستاذ ميشيل الحايك وان يأتينا الفرج في عام 2011 وليس صدمة اخرى.
