مرت على بلدنا في السنوات الأخيرة أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية كانت عصيبة أفضت إلى جوع وفقر وقتل وفساد وإفساد واحتقان حقيقي لا يمكن للأعمى تجاهله, وهو إن استمر دون معالجة مسبباته سوف يفتك بالوطن. بدون مقدمات ودون مواربة أو تردد أو أية حسابات على حساب الوطن , لابد من تأشير الأوجاع المؤلمة ووضعها بين يدي من يهمه الأمر.
1- لقد بايع الأردني على أن الحكم في بلدنا نيابي ملكي وراثي, ومن لم يؤمن بذلك انصاع بحكم الدستور والقانون. لم يعاهد الأردني على غير ذلك من توارث, لكن ما نراه توارثا في بعض العائلات وخاصة عائلة الرفاعي حتى أنني استطيع القول أن الحفيد زيد الرفاعي ينتظر دوره رئيسا للوزراء. لقد تم إفساد الحياة البرلمانية وقد تحقق ذلك من خلال إفساد آليات فرز النواب , وإقصاء المعارضة وتشويه وقمع الأحزاب العريقة, مقابل ذلك ولد من رحم النظام السياسي حركات اتخذت شعارات لا تعيها ولا تعي مدلولاتها وذلك خدمة لأشخاص وسمح لها بالتمدد تحت غطاء مواجهة المعارضة, وكانت الطامة الكبرى بعد كل هذا الإفساد والفساد هي أن البرلمان أصبح ملحقا بالحكومة وهذا ما تحقق لحكومة سمير الرفاعي الثانية , وعليه فان الأردني يضع الحكومة والبرلمان في خانة إفساد واحدة .
2- كل الأردنيين متساوين في الحقوق والواجبات بحسب الدستور, لكن ما نراه في بلدنا قلة مستفيدة تأخذ كل الحقوق وتزيد عليها تارة بالقانون وتارة بطريقة اللغوصة والفساد وبقية الشعب مغيب علية واجبات لكنة بدون حقوق وجلهم حراثين (في ارض الفاسدين). ان ما نراه من استشراء الفساد والواسطة والمحسوبية يوصلنا إلى القول بان العدل معدوم في بلدنا.
3- ازدادت البطالة وازداد الفقر واتسعت رقعة المشاكل والمشاجرات والقتل في معظم مدننا وفي معظم جامعاتنا. لسان حال الأردنيين يقول نستطيع تحمل ظروف بلدنا وتنكر الأشقاء لنا لكن مالا نستطيع تحمله وجود فئة منعمة بخيرات الوطن على حساب غالبية أبناءه, فلماذا لا يتساوى الناس في تحملهم لظروف بلدهم ولماذا الفساد والنهب دون حساب ولماذا تنصيب من تدور حولهم الشبهات وإذا كانوا أبرياء لماذا لا تبرهن براءتهم أمام الناس, لماذا المال والإدارة بيد عدد محدود من الناس دون إعارة بقية الناس أي اهتمام, أليسوا أبناء بلد, أو ليس لديهم كفاءة كغيرهم أم أن المتنفذين يطيلون المسافة بين صاحب القرار وأبناء الشعب فلا يعرف مكنوناتهم وإمكاناتهم.
4- لماذا يجبر الأردني على استجداء غيرة من الأردنيين من اجل لقمة العيش فهل يعقل أن يذل أردني ليرفع أردني آخر. الأردني لا تعرف حقيقته حكومة الديجيتال وتعامله بناء على ما يتوفر لها من بيانات محوسبة , انه الطيب المتسامح إلا انه العنيد الشديد عندما يصل الأمر إلى كرامته والى خبز أطفاله الجياع وغيرهم منعم بخيرات الوطن .
5- لقد تم إفلاس شركات الوطن بعد إفسادها وتم بيع المفلس والربحان منها بدراهم معدودة وتم بيع أراضي الدولة بحجة تشجيع الاستثمار بعد أن دخل الليبراليين الفاسدين المفسدين إلى موقع القرار, لقد تم بيع مقر القيادة العامة لجيشنا الذي نحب متناسين مكانة هذا المقر في نفوس الأردنيين , ويا ليتهم افلحوا بقرارهم بعد أن تجردوا من العواطف , فكانت النتيجة كاشفة لغطائهم بل قالت لهم بعد تجردكم من العواطف فإنني أجردكم من ملابسكم فظهرت عورتهم على شكل زيادة المديونية العامة والاستمرار في رفع الأسعار وفرض الضرائب. إن بلدنا مبتلى بحفنة من هؤلاء الليبراليين الفاسدين يعيثون فسادا وإفسادا في البلاد والعباد, ومن واجب الأحرار تخليص البلاد من شرورهم فهم خدم الصهيونية وخدم السوق القذر.
6- تم في السنوات الأخيرة تسمية البعض من غير المؤهلين وغير المقبولين من الناس على أنهم شيوخ ووجهاء, وهم في حقيقة الأمر لا يتعدون كونهم من منافقي المحافظين وغيرهم من أجهزة الدولة تمت تسميتهم ليتلقوا الأعطيات أو لدعوتهم للقاءات المتلفزة. الكثير ممن يسمون وجهاء لا رأي ولا تأثير لهم بين عشائرهم والكثير منهم يستخدم أساليب الزعرنة لخدمة مصالح ضيقة أو لتنفيذ أمر من هذه الدائرة أو تلك , وان لوجودهم دور في عدم السيطرة على الكثير من مشاجرات عشائرنا .
7- لقد استخدمت سياسات واهية ضعيفة وعقيمة في استمالة الناس ومعظمها على شكل تلهية أحيانا وعلى شكل شراء رخيص أحيانا أخرى, ودفع الناس للهاث خلف الحكومات وطلب رضاها مما افسد حياة الإنسان واسترخصه ولوث ثقافته.
8- قتل رجال الأمن الناس الموقوفين أو المطلوبين وتطاول الناس على رجال الأمن وكانت المعالجات لحظية عقيمة.
9- تتصدى الحكومة بكل ما أوتيت من قوة ومن بطش الدرك لكل من يخالفها أو يتظاهر ضد سياساتها وإجراءاتها أو ضد العدو الصهيوني المتربص بأرضنا لكنها تحضر إلى المشاجرات بعد أن ينهي المتخاصمين مهمتهم في تهشيم بعضهم أو قتل بعضهم أحيانا. لقد جاءت تشكيلة الدرك غير مقنعة وغير مستساغة وإننا إذ نكن لرجالة كل الاحترام والتقدير على ما يؤدون من واجبات فإننا لا نرى ضرورة له فبقائه ضمن هيكلية الأمن العام أفضل بكثير ليكون المنطلق هو الإطار العم للأمن العام للوطن وليس الفزعة عند كل حالة بحالتها. ولكي تكتمل صورة الأمن العام كان الأجدى تأسيس معهدا أو مؤسسة لدراسات الأمن الشامل تتضافر فيه جهود خبراء الأمن والاجتماع والعشائر وعلم النفس والاقتصاد والقانون والصناعة والزراعة والصحة وغيرها من الخبرات المساندة لتأهيل رجال الأمن أولا وإعداد الدراسات الوطنية اللازمة لإدارة امن الدولة. إن القوة وحدها لن توفر الأمن وقد تتحول أحيانا إلى وبال على من يسرف بها , فما الأمن إلا كل متكامل أول شروطه تعميق الإيمان وتجنيب الناس ويلات الجوع وحمايتهم من الخوف . إننا لا نبالغ وبرغم ما هو متوفر من بعض صور الأمن في بلدنا والحمد لله , بأنه إذا لم يتم الإسراع في سد حاجة الناس فان الأطر الأمنية المتوفرة لن تستطيع تحقيق الأمن ولن تستطيع علاج ما يترتب على الجوع من ويلات اجتماعية.
10- لقد ثبت فشل إعلامنا الرسمي في إيصال الصورة الحقيقية للناس وفشل خطابة في إقناع الناس بأهلية الحكومات وثبت بأنة إعلاما مداحا لسوء الحكومة رداحا ضد معارضيها ولزيادته سوءا تصر الحكومة على تسليمه إلى من يزيده سوءا. وفي هذا المجال إن كانت هناك نية وإرادة حقيقية نحو التغيير واحترام حق الناس في سماع الحقيقة واحترام عقل الإنسان فلا بد من لجم كل الرداحين المداحين وكل من يتشدق بعبارات الولاء والانتماء وهو يسيء إليها بعلم وبغير علم والانطلاق من حقيقة واحدة هي أن الأردني موالي منتمي بفطرته وبحكم الدستور ولا يحتاج إلى من يلقنه دروسا مشوهة في هذا المجال.
11- لقد استخدم التشدق بالولاء غطاءا لبعض الفاسدين المفسدين تسللوا من خلاله إلى مفاصل الدولة وتقلدوا عناوين لا يستحقونها و يقتاتون عليها , فكانوا مثالا احتذاه الضعفاء في تحقيق سوء غاياتهم.
12- برغم السنين الطويلة من بناء الدولة ومن الحياة النيابية مازالت الحكومات تصدر القوانين المؤقتة وتبالغ فيها وتتجاوز الدستور, وبعضها لخدمة أهوائها ومصالحها لكنها تتمترس خلف الدستور إذا كان الأمر لا يروق لها, فمتى تستقر القوانين ويتم تعديلها بحسب الحاجة وتطور الظروف وضمن الأسس الدستورية.
13- لقد صنعت حكومة الرفاعي السابقة والحالية الأزمات في كل أنحاء البلاد فهي ليست من الشعب وليست له , حكومة ضرائب لا تفهم من شؤون الحكم أكثر مما يستوعب كاشير الدكان , هي حكومة وراثة غير مرضي عنها من كل أبناء الشعب, حكومة تصفية حسابات كابتالية دجيتالية. لقد تأكد وعلى اقل تقدير تأكد لي أنا الكاتب بان سمير الرفاعي يثار لجدة ولوالدة لذلك صاغ قانون الانتخابات البرلمانية بما يكفل له الثقة من البرلمان وكانت النتيجة كما رأيناها واضحة فاضحة بان حاز على ثقة (وطبشة) لم يسبقه غيرة إليها وبهذا فقد ثار لجدة رحمة الله , لكنني لا أضنه يستطيع الثار لأبية لان الشعب دائما أقوى من الساسة وخاصة في أيامنا التي نعيش فنرى كل الأردنيين يطالبون بإسقاط حكومته وإسقاط البرلمان الذي منحة الثقة.
14- ارتمينا طائعين ومجبرين في حضن السياسات الأمريكية الصهيونية ووقعنا مع عدونا معاهدة وادي عربة المذلة بذريعة الجنوح للسلم و تجنب شره فكانت بوابة مشرعة ورسمية لتدخل العدو في جميع مناحي حياتنا ,صحيحا أننا لا نستطيع التسمية ولكننا نرى ذلك من خلال الفساد الشامل في مؤسسات الدولة وتنصيب غير الملائم بل الفاسد في مفاصل الدولة لتخريبها. ولتأكيد ارتمائنا غير المبرر في حضن ساسة أمريكا فإننا نشاركها ما تسمية هي محاربة الإرهاب خارج حدودنا وأعلنت الحكومة ذلك صراحة بعد انفضاح أمرها وكنا قد خسرنا بذلك من شبابنا , إن أحدا لا يرفض مطاردة من يريد السوء ببلدنا أينما كان, لكن مشاركتنا ساسة أمريكا ينطبق عليها لاحق الغراب يدلك على الخراب. لقد فرضت علينا معاهدة وادي عربة إلغاء صفة العدو عن العدو الصهيوني, إلا أن ذلك لا يمنع من توصيف العدو, فلماذا لا نوصف عدونا ونوصف صديقنا ونبقي سياستنا الخارجية غير موزونة وغير دقيقة.
15- تأكد خلال مسيرة بناء دولتنا بان الأردني متعلق بالرجال الوطنيين المخلصين الصادقين الانقياء من البراثن, و تأكد في السنوات الأخيرة ابتعاد الحكومات عن الشعب وعن همومه وانشغال أفرادها بمصالحهم الشخصية على حسابه وانشغالهم بهم بقائهم على كراسيهم وان كان ذلك على حساب الوطن واستشرت ثقافة عقيمة بين الناس بل أنها مخزية أحيانا وهي على شكل ( هذا حربوك , فهلوي , شاطر في حق حالة , صحتين وعافيه عليه , خليه يوكل مهو الكل بنهب ) وأصبحت منظومة المفردات المشينة هذه كأنها متلازمة للوصول إلى المنصب أو التنبؤ بوصول حاملها إلى المنصب, وتحول دور مجلس الوزراء إلى مدراء بل أن جلهم لا يجيد مماحكة بسيطة مع الناس, وبعضهم لا يعرف شيء عن هموم الوطن وأبنائه. إن بلدنا بأمس الحاجة إلى حكومة إنقاذ وطنية تعيد الأمور إلى نصابها وتعلي شان الوطن فوق كل الاعتبارات النخبوية أو الشخصية , وبلدنا بحاجة ماسة إلى مؤتمر وطني يمثل فيه كل أبناء الوطن لتعديل المسار واستشراف المستقبل بعد تغول السلطة على مصدرها .
أ.د. عبد الله الرواشدة
drabdullah63@gmail.com