منذ أن اعتلى جلالة الملك عبدالله الثاني العرش، ونحن في أرجاء الوطن نرقب زياراته المتتالية للمحافظات المختلفة من الشمال إلى الجنوب، وفي كل محطة له يعلمنا أهمية التواصل مع الآخر لاسيما في مجال العمل، وهو فن لا يتقنه كثير من الناس، ربما بحكم المنظومة الثقافية التي نشؤوا عليها، إذ قد يُفسّر على أنه نوع من أنواع التملّق لمن هو أعلى، أو التنازل لمن هو أدنى، وبالتالي يُفهم التواصل في العمل على أنه صفة سلبية مثل كثير من الأمور الإيجابية في الحياة، التي حوّلها الفهم الخاطىء إلى النقيض، مع أننا نشعر بقيمة هذا التواصل، ونسلّم بضرورته، ونحن نرقب تأثر مشاعر من حولنا بجماليات هذا الفن، وآثاره على النفس لاسيما إذا صدر عمن هو أعلى منهم.
ليس هدفي هنا الحديث عن قيمة التواصل فحسب، ولكني أودّ وصف مشاعر الفرح والغبطة عندما يزور القائد إحدى المحافظات، فالتحضير لهذه الزيارة ينعكس على المكان نظافة وألقا، وعلى الإنسان فرحا، وإحساسا باقتراب الفرج لتحقيق كثير من حاجات الناس في هذه المحافظة أو تلك، مما يوحي بأنّ القائمين على هذه المحافظات يبقون منشغلين عن أعمالهم، وخدمة مواطنيهم إلى أن يأتي أحد كبار المسؤولين، فيستفيقون من غفوتهم ترحيبا بالضيف، مظهرين إنجازاتهم أمامه، ثمّ يعودون إلى سباتهم القديم، والأصل أنّ حالة اليقظة هذه هي من صلب عملهم الذي يأخذون عليه أجرا، ويتوقع منهم أن يؤدوه بأمانة وإخلاص.
فالتواصل مع الناس الذي عودنا عليه الملك كان قبل أيام في الرصيفة، وقد رأينا صفة التواضع جليّة في تعامله مع الآخر، فكان قريبا من شعبه، يسلّم على هذا، ويقبّل ذاك، وينصت باهتمام للناس، فيشعرون بأنه الملجأ، وحامي الحمى، والمخلّص، في حين يجد الواحد منا أحيانا صعوبة في التفاهم مع رئيس قسم أو ما شابه في مؤسسة حكومية، كِبرا، وبعدا عن كل أشكال التواضع.
أقول، ونحن نتفق على إعجابنا بسلوك مليكنا، وقلما يتفق الناس على شيء هذه الأيام، ماذا لو طبقنا هذين السلوكين( التواصل والتواضع) في تعاملنا مع الآخر في وزاراتنا ومؤسساتنا...فهشّ المعلم في وجه طلابه، وسألهم عن أحوالهم، واستمع لهمومهم، وفعل المدير كذلك في دائرته، والرئيس في مؤسسته... وقسنا بعد ذلك مقدار التحسن في المزاج العام، وتقليل الاحتقان، وزيادة الإنتاج؟!
وماذا لو طبّق الوزراء ومن هم حولهم آلية العمل التي يطبقها الملك في زيارة المدن والقرى والبوادي، والجلوس إلى الناس، والاستماع إليهم، ومعرفة حاجاتهم، مثيرين البهجة في المكان والسكان؟! علما بأنهم يقسمون على خدمة الأمة، وهي لا تتحقق في كثير من جوانبها لاسيما في بلادنا إلا بالنزول إلى الميدان؛ لأننا من الصعب أن نتخيّل بشاعة الفقر إلا عند ذهابنا لبؤره العفنة، مثلما لا نعرف بشاعة المرض-عافنا الله وإياكم- إلا عند ذهابنا إلى أقسام معينة بالمستشفيات.
أعتقد أن هذه السُنّة من السنن الحميدة التي يحتاجها الناس في بلدنا، تحديدا في هذه الأيام، وقد تعود بالخير العميم عليه؛ ربما لو طبّقت لساهمت بحل كثير من المشكلات الاجتماعية، وخففت كثيرا من أشكال العنف المجتمعي، صحيح أن كثيرا من الناس متطلبون من المسؤول، ويطمعون بكرمه، وقلما يرتبون أولياتهم، لكن يمكن للمسؤول أن يضع لهم قائمة أولويات يُدرج فيها الأهم قبل المهم، فيتدربون على فن آخر من فنون الحياة ألا وهو ترتيب الأولويات في الوزراة، والمؤسسة، والبيت، بل بكل نواحي الحياة.amalnusair@hotmail.com