اجمع الشعب الاردني بشكل عفوي ( باستثناء مجلس النواب ) على رفض الحكومه الحاليه بجميع طاقمها الوزاري وشّكل ذلك احدى المفارقات العجيبه والهجينه محلياً وعالمياً حينما بدا المشهد الوطني مقسوماً بين شعب يرفض ويدعو لرحيل الحكومه وبين مجلس نواب اغرق الحكومه بالثقه مخالفاً ارادة الشارع الذي انتخبه , وبدت للعيان اولى الملامح الشعبيه المطالبه بالتغيير ورحيل الحكومه الرفاعيه طالما ان الشعب ( بواد ونواب الشعب والحكومه بوادٍ آخر ) وعزّز بشكل مباشر من مناخ انعدام الثقه الشعبيه بالحكومه والمجالس المنتخبه المعنيه بالدفاع عن مصالح المواطن ورعايته كتفسير منطقي لخروج الجماهير الشعبيه للشارع وقرآءة مضامين الهتافات والصرخات التي انطلقت بمسيرة يوم الجمعه .
اعتقد بان الحكومه الحاليه تفاجأت من ردة الفعل الشعبيه وخروج الجماهير الغاضبه للشارع بعدما كانت تفسر التململ الشعبي بانه لا يعدو كونه ( نميمه سياسيه ) لا ترتب آثاراً ملموسه على الصعيد المحلي ولا تسهم في كبح جموح الحكومه وفريق وزراءها المختص بالظرائب والرفعات والازمات , في حين نرى بان المواطن المسكين كان لزاماً عليه بنظر عرابي الحكومه بان يغذي من جيبه ودخله المتآكل عجز الموازنه الناتج عن الفشل الحكومي المتعاقب والانفاق غير المبرر ورفاهية اصحاب الدوله والمعالي التي تحاكي انماط الدول النفطيه في الانفاق والبذخ الملحوظ كون السلطه المطلقه بالانفاق تنتج فساداً مطلق انعكس سلباً على شرائح الشعب وذوي الدخل المتهالك .
علينا ان ندرك جميعاً بان المأساه لم تنتج عن الارتفاعات الاخيره بالاسعار بقدر ما نتجت عن نظام ظريبي مجحف كان يهدف واضعوه وما زالوا لاستنزاف جيوب ( الغلابا ) الذين لا بواكي لهم في ( مجلس العبدلي ) والدوار الرابع , مما حدا بالاردنيين للسؤال عن اسباب العجز المتتالي بالموازنه والتضييق على المواطنين بلقمة العيش رغم ان الحكومات اصبحت تقدم انفسها كحكومات جبايه بظرائب مركبه وتخلت عن دورها الرعوي الكافل لحقوق المواطنين وتلاشت التزاماتها الماليه في مجالات الرعايه الصحيه والتعليم الجامعي ودعم الفاتوره النفطيه والنهوض باعباء الامن الغذائي باسم برامج التحول الاقتصادي واقتصاديات السوق المفتوحه والتي كان من نتائجها المأموله تفكيك اجهزة الدوله وخصخصة المال العام والنيل من هيبة المواطن وخسرنا بموجبها جزءاً كبيراً من هويتنا الوطنيه وانتماءنا الحقيقي الامر الذي جعل الاردنيين لا يثقون بالحكومات العديده ويرفضوها علناً ومنها الحكومه الحاليه .
التدخل الملكي الاخير كان بمثابة التوجيه الفعلي للحكومه المصابه بداء العظمه والصماء عن مطالب الشعب , ورغم ان الحكومه ادركت مدى خطأها الا انها وعلى لسان ناطقها الرسمي اخذتها العزة بالاثم حينما اعلنت بانه لا ربط سببي بين تخفيضات الاسعار وبن مسيرة يوم الجمعه رغم ان التخفيض جاء شكلياً و مغايراً للتطلعات على مبدأ ( الريحه ولا العدم ) حين تسابق وزراء الحكومه للاعلان عن النبأ العظيم وهديتهم الثمينه للشعب بقائمة تخفيضات شحيحه لامتصاص ردة الفعل الشعبي حيال ذلك .
اعتقد بان الحكومه الحاليه تعيش بمراحلة النزاع الاخير بعدما فقدت القدره على حوز الثقه الشعبيه ولم تعد تلاقي ادنى قبول لكادرها الوزاري علاوةً على اسباب سابقه سوف تعجل في رحيلها واراحت الشعب من تبعاتها الاقتصاديه والنفسيه .