لم تسبقنا أية دولة في العالم سواء أكانت ذات نظام ديكتاتوري أو ديمقراطي حر باستثناء نظام اوغستو بينوشيه ( 1973 -1990 ) في تشيلي الذي أدار تحالفا بين حكم العسكر ومجلس شيوخ ونواب من أتباعه موالون لنظامه العسكري وبين طبقة التجار الذين كانت الولايات المتحدة الأمريكية تساندهم بقوة على مدار حكم الديكتاتور بينوشيه ، فالسلع الأساسية للمواطن التشيلي كانت بقبضة التجار ، والحكم التنفيذي والقضائي كان بيد العسكر ناهيك عن برلمان شكلي ابعد كل المعارضة ورموز الوطن الذين ابعدوا قسرا بحكم النظام والقانون الذي صيغ وفقا لذلك التحالف المقيت ! فساحوا في البلاد يعيثون فسادا بمقدرات البلاد ويتقاسمون خيراته ، فعانى الناس ما عانوه طوال تلك السنين أمراض وجوع وضغوطات دفعت الشعب التشيلي للخروج طوال أيام كثيرة قتل فيها الآلاف وتحولت المدارس إلى سجون جماعية لم توقفهم تحسينات وتجميلات الإجراءات الشكلية بتخفيض الأسعار وإطلاق سراح المعتقلين ، واستمرت الاحتجاجات حتى ضاقت البلاد الغربية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بسياسة بينوشية ورفعت الغطاء والدعم عنه واستسلمت هي الأخرى لإرادة الشعب التشيلي فتغير النظام وحوكمت الطبقة الفاسدة وأعادت الحكومة التشيلية الجديدة الإمساك بالأمور ومنع احتكار استيراد السلع الأساسية واستطاعت أن تحول دون وصول أي من رموز النظام السابق إلى البرلمان الجديد ، حيث كان السخط موجها دوما نحو التجار والنواب والعسكر الذين فر الكثير منهم إلى خارج البلاد !!
ما يجري في الأردن مشابه لتلك الحالة من التحالف الغريب العجيب الذي يراد به قهر إرادة الناس وزيادة معاناتهم وتطويق تحركاتهم السلمية للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية ووقف انهيار مؤسسات الوطن ووقف الفساد ، فالحكومة المحصنة بثقة 111 نائبا برلمانيا غير قادرة على إدارة الأزمة ووقف النزف في الجسد الأردني ، وما اتخذته من إجراءات اقتصادية شكلية ومضحكة ومبكية بنفس الوقت للتخفيف عن الناس لم يتجاوز أكثر من خمسة قروش على أسعار الأرز والسكر في المؤسسات المدنية والعسكرية فقط !! واعتبرتها انجازا حقيقيا يسجل لها ! وارتفعت معها أسعار الدواجن واللحوم المستوردة بشكل غير مسبوق ، ولم تتعب نفسها بسبب تلك التحالفات حتى بالضغط على المحتكرين لهذه السلع ومطالبتهم بتخفيض أسعارها ولم تعمل حتى على فتح الحوار معهم لأن تحالفها البغيض مع هذه الطبقة يملي عليها عدم الإحراج !! بل أن التجار راحوا يتمادون أكثر في رفع الأسعار وإدارة الظهر لمعاناة الناس ، فلا أسعار خفضوا ولا تعاون مع الحكومة ابدوا ولا ضمير حركهم للوقوف إلى جانب المواطن والتخفيف من أعباءه وحمله الثقيل بالرغم من الإعفاءات والتسهيلات وقوانين الاحتكار التي تمنحها الحكومات لهذه الطبقة التي تسمن مؤخراتهم على حساب زوال اللحم عن العظم المكشوف للمواطن .
وعلى جانب مجلس أل 111 !! فأن ما جرى ويجري من ممارسات وصلت حد الشتم والتهديد المعلن والاستقبال المهين وغير المبرر لمسيرة الأحد الماضي وتعطيل مقصود لجلسة مناقشة غلاء الأسعار وآلية رفع المحروقات يشير إلى غياب الحس الوطني بالمسئولية تجاه المواطن ومعاناته ويضعون مبررات غير منطقية لتعطيل الجلسة متجاهلين الظروف الاستثنائية الصعبة التي يعيشها الوطن وتهدد باستقراره إذا ما استمرت تلك الحالة لا سمح الله ، بل يعتبر ذلك التهديد والوعيد وتعطيل الجلسة ثقة جماعية أخرى مجانية غير مبررة تدفع الحكومة للاستمرار بالنهج اللا مسئول تجاه هموم المواطن وتمنحها أيام أخرى قبل أن يتدخل الملك ويعيد الأمور إلى نصابها كما يأمل الشعب الأردني من قائده دوما والمتمثل بتغيير الحكومة وإزالة أثار المجلس غير المرغوب شعبيا وإعادة النظر باحتكار بعض التجار للسلع الرئيسة وإناطتها بوزارة الصناعة أو التموين التي يطالب الناس بعودتها .
ليس غريبا ما يدور في البلاد من تحالف طبقة التجار والحكومة ، فهذا أمر اعتاده الشعب الأردني منذ عقود ، فالمصالح متبادلة والحصص لا خلاف فيها بين الطبقتين ، لكن الغريب ظاهرة انحياز مجلس أل 111 وللمرة الأولى في تاريخ البلاد إلى تلك الطبقات ليشكل ثلاثي اقتصادي واجتماعي خطير يهدد سلامة البلاد وقد يتحول إلى منهج ثقافي ومؤسسي ترعاه الحكومات المتعاقبة بمواجه الشعب من خلال فرض المزيد من الضرائب والرسوم ورفع الدعم عن الحاجات الأساسية للمواطن خدمة للتجار يقابلها تخفيض الرسوم والضرائب عن التجار وتسمين أعضاء المجلس النيابي ومنحهم المزيد الامتيازات و التسهيلات والدعم وحمايتهم من وصول قوى وأحزاب وشخصيات وطنية قد تواجه ذلك التحالف من خلال إعداد قوانين انتخابات برلمانية وبلدية مشوهة تخدم مصلحة تلك الطبقات كما هي حال قانون الانتخاب الحالي الذي ساهم وبكل أسف من بلورة مجلس أل 111 بغياب الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية و الذي لا يلقى حتى اللحظة التقدير والاحترام من أبناء الشعب الأردني منذ جلسته الأولى . لكنه الأمل دوما معقود على تدخل القائد الراعي لهذه الأمة بالاستجابة لمطالب الناس وأحلامها بعدما تكالب ذلك التحالف على رغيف المواطن وأحلامه بأردن وطني وديمقراطي قوي ...