زاد الاردن الاخباري -
كتب : الصحفي اللبناني حازم الأمين - عندما قرر الملك الأردني عبدالله الثاني أن يقول شيئاً عن مباشرته انعطافة في موقع المملكة التقليدي، اختار مدينة الزرقاء الأردنية. استعار الرجل صوت والده “الحسين”، وقال إنه لن يساوم على “الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى”، مشيراً إلى ضغوط يتعرض لها، أكد أنه سيقاومها طالما أن الأردنيين مجمعون على الوقوف وراءه في مواجهتها. الزرقاء مدينة “بني حسن” أكبر عشائر شرق الأردن، إلا أنها أيضاً مدينة سكانها أردنيون بغالبيتهم، من أصل فلسطيني. ولالتقاء طرفي الهوية الأردنية في تلك المدينة دور في اختيار الملك لها، منبراً لخطابه حول الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى.
عمان تغلي على وقع ما تسميه “صفعة القرن”. تشعر للمرة الأولى في تاريخها بأنها فقدت جزءاً من موقعها عند الولايات المتحدة الأميركية، وأن دول الخليج غير متمسكة باستقرارها، وأن هدايا الرئيس الأميركي دونالد ترامب لبنيامين نتانياهو في القدس وفي الجولان، ستهز كيان المملكة، ويبدو أن عمان قررت أن تتحرك، وما يحمله كلام الملك في الزرقاء يؤشر إلى ذلك.
علاقات الأردن مع دول الخليج تمر بأكثر المراحل برودة. ذروة الصقيع في هذه العلاقات هي مع الرياض، تليها أبو ظبي التي تعتقد عمان أنها لا تستطيع الخروج عن الموقف السعودي.
موقع عمان لا يساعدها على التحرك السريع لبناء خط دفاعٍ بديل. الخروج من المظلة الخليجية مكلف بالنسبة إليها. ثمة أكثر من 500 ألف أردني يعملون في السعودية، ونحو 200 ألف في الإمارات العربية المتحدة. وهؤلاء يشكلون رافداً رئيساً لاقتصاد المملكة، ولاستقرارها. لكن في مقابل ذلك، أوقفت الرياض ومنذ وقت مساعداتها للأردن، وهذا ما خلف اختناقاً اقتصادياً في المملكة، ظهرت صوره في احتجاجات قام بها أبناء الجنوب، الذين لطالما كانوا عصب الحكم الهاشمي في المملكة.
عمان تشعر بأن وقف المساعدات الخليجية هو جزء من الضغوط التي تُمارس عليها للقبول بـ”صفقة القرن”. والعرض المُقدم إليها من قبل ترامب ودول الخليج مجحف فعلاً، وهو إما القبول بالقدس عاصمة لإسرائيل أو تجويع المملكة وهز الاستقرار الاجتماعي فيها.
عمان تشعر بأن وقف المساعدات الخليجية هو جزء من الضغوط التي تُمارس عليها للقبول بـ”صفقة القرن”. والعرض المُقدم إليها من قبل ترامب ودول الخليج مجحف فعلاً، وهو إما القبول بالقدس عاصمة لإسرائيل أو تجويع المملكة وهز الاستقرار الاجتماعي فيها. في المقابل تبدو خيارات مقاومة هذا الخيار ضيقة في وجه العاهل الأردني. ذاك أن الصدام مع الخليج مكلف، وفي المقابل يبدو القبول مستحيلاً. السيادة الإسرائيلية على القدس ستكون مقدمة لتوطين “مجاني” لحوالى 5 ملايين فلسطيني في الأردن، وتعني أيضاً نزع الوصاية الأردنية عن المسجد الأقصى، وما يحمله ذلك من ارتدادات معنوية على المملكة. الثمن كبير جداً ومجحف جداً وينطوي على قدر من العجرفة ولي ذراع لم يسبق أن اختبرته عمان.
والحال أن شعور عمان بخذلان واشنطن ودول الخليج كبير جداً على ما يبدو، وهي إذ تعرف أنها حياله مكبلة اليدين، شرعت بمحاولات “غير متسرعة” لامتصاص بعض تبعاته. قبل مدة ليست بعيدة زار الملك بغداد، وترافق ذلك مع اتفاقات اقتصادية بين الحكومتين الأردنية والعراقية، أبدت فيها بغداد رغبة في مساعدة عمان، وانفتاحاً على مزيدٍ من الاتفاقات. في بغداد، ثمة من يعتقد أن ذلك ما كان ليحصل لو أن هذا الانفتاح كان سيستفز طهران، لكن عمان تدرك أن الاقتراب من طهران سيطيح ما تبقى من علاقات مع الخليج، ولهذا فهي تلعب بحذرٍ شديد على خط العلاقة مع بغداد.
في موازاة ذلك، شهدت العلاقات بين عمان وأنقرة انفراجات تُوجت بزيارة للملك وبعلاقة دافئة بينه وبين رجب طيب أردوغان. حساسية الرياض حيال هذا الانفتاح أقل من حساسية أبو ظبي، وتبقى للعاهل الأردني حساباته في عدم الإطاحة بالعلاقة مع الإمارات.
الاقتراب من الدوحة ليس بالمهمة السهلة. الأخيرة مستعدة وراغبة، لكن كل ما يمكن أن تفعله عمان هو أن تُشعرها بأنها خارج منظومة الحصار، من دون أن يعني ذلك عودة للعلاقات الطبيعية بينها وبين الدوحة.
موقع الأردن الإقليمي اليوم، إذا ما نُظر إليه من مسافة بعيدة من المفترض أن يكون أقرب إلى المحاور البعيدة من محور واشنطن – الرياض. ذروة الصدام مع الإدارة الأميركية، وبرودة في العلاقات غير مسبوقة مع دول الخليج، وشبه صدام مع تل أبيب. يمكن لمن لم يقرأ اسم الأردن في هذه الخارطة أن يعتقد أنها طهران أو دمشق.
لم يسبق لعمان أن اختبرت هذا الموقع، ولم تكن يوماً في مواجهته على هذا النحو، ثم أن أحداً من “الحلفاء التقليديين” مكترث لحساسية موقعها، وهذا ما يُشعرها باحتمال اهتزاز هذا الموقع. عندما غزا صدام حسين الكويت وجدت عمان نفسها في موقع مشابه، فلم يكن باستطاعتها أن تكون جزءاً من التحالف الدولي ضد صدام، ولا تسطيع أن تكون في تحالف مع صدام. الملك حسين في حينها نأى بنفسه، وتفهمت واشنطن هذا النأي ولاحقاً تفهم الخليج. موقع الأردن اليوم أشد تعقيداً. إنها القدس وليس مصير صدام حسين. وفي مقابل ذلك إنه دونالد ترامب وليس جورج بوش (الأب)، وهو الأمير محمد بن سلمان، وليس الملك فهد.
واليوم أضاف ترامب بعداً جديداً إلى هذه التراجيديا. إنها الجولان، الهدية المجانية لتل أبيب. إذاً المملكة أمام معضلة تتمثل في رجل يشعر بأنه غير معني بأي التزام بتوازن، لطالما حصّن المملكة من الحروب التي تحاصرها في فلسطين ثم في العراق، والآن في سوريا.
الباغوز: العالم يشهد على موت مولوده… فمن سيخلفه؟
الأردن
القضية الفلسطينية
الملك عبدالله الثاني
ترامب
داعش
صفقة القرن
حازم الأمين/ صحفي لبناني