كانت »العرب اليوم« في عناوين اخبار بعض الفضائيات والصحف الاسبوع الماضي بعد توقفها عن نشر مقالات احد كتابها في اطار تداعيات تصريحات ادلى بها عبر فضائية الجزيرة حول تفجير خوست الذي سقط فيه شهيد اردني ينتمي الى الاشراف الهاشميين, والى احد اجهزة القوات المسلحة.
وامس طُرحت تصريحات الكاتب اثناء استقبال رئيس الوزراء وفد نقابة الصحافيين. وهو ما يجعل من الضروري ان اقول الآن شيئا عن النقاشات التي اثارتها هذه المسألة, من زاويتين. الاولى:- لتوضيح سوء الفهم, مهما كانت منطلقاته, الذي سعى الى تحميل »العرب اليوم« مسؤولية هذه التصريحات, التي لم ترد في مقاله اليومي في الصحيفة, انما في (الجزيرة), وكما هو معلوم فإن مسؤولية رئيس التحرير تتعلق فقط بما ينشر في صحيفته وليس ما يقال خارج صفحاتها.
وثانيا- محاولة الخلط بين رأي كاتب يُدلي به في اي وسيلة اعلامية او في محاضرة وبين سياسة »العرب اليوم« ومسؤولياتها ومواقفها الوطنية ومعاييرها الخاصة في فهم الرأي الآخر, حدوده ودوافعه.
لقد تكررت هذه المواقف, خلال العامين الماضيين, وكان قد ترتب عليها توقف عن نشر مقالات كتاب بسبب تصريحات قيلت خارج الصحيفة. ومثل هذه القرارات اتخذت من قبل رئيس التحرير لاسباب منها:-
1- ان هذه الصحيفة, التي تملك السقف الاعلى في نشر الرأي الآخر والخبر, تفتخر بانتمائها للاردن وطناً وملكاً وشعباً. وهي من هذا المنطلق تتمسك, كما يفعل الاردنيون جميعاً, بالثوابت والاعراف السائدة في المملكة وبين شعبها وهو الاحترام والولاء للملك والتقدير للأسرة الهاشمية. مع الحفاظ على مشاعر الفخر والاعتزاز بالقوات المسلحة ومؤسساتها واجهزتها الأمنية والدفاعية. فالاردنيون الذين يطلقون لقب الشهادة على عسكري يذهب ضحية حادث مروري يرون في شهيد الجيش في خوست فقيدا غالياً وخسارة كبيرة للوطن على طريق طويلة ممتدة من تضحيات الشهداء في القوات المسلحة منذ قيام المملكة.
2- امام ما اثارته التصريحات في »الجزيرة« من مشاعر حادة بين اوساط عديدة, وخاصة رفاق الضابط الشهيد واسرته الكريمة, فان »العرب اليوم« التي تعتبر نفسها جزءاً, من هذه المشاعر, رأت وقف نشر مقالات الكاتب مؤقتاً, في اطار معالجة وضع كهذا, يتأرجح بين دعوات تقوم على المشاعر وبين الالتزام بحرية الرأي الآخر وقاعدته القائمة على اهم اعمدة قانون المطبوعات الاردني, وهو حق الرد بمثل ما يكون عليه الرأي المنشور. مع التأكيد, المرة تلو الاخرى ان المسألة لا علاقة ل¯ »العرب اليوم« قانونياً بها, لان ما هو موضع غضب رسمي لم ينشر على صفحات الصحيفة وانما في احدى نشرات فضائية الجزيرة.
وللأمانة اقول, عندما بحثت الموضوع مع الزميل الكاتب ابدى حرصاً كبيراً وبعبارات صادقة عن مشاعر الاحترام للجيش ومؤسساته العسكرية.
وفيما كان التوقيف المؤقت لنشر مقالاته يتحول الى موضوع في وسائل الاعلام, واعتباره دليلاً على تراجع الحريات الصحافية, والقمع في الاردن كانت مواقف »العرب اليوم« ورغبتها في تسوية المسألة بالحوار تُقابَل من مواقع القرار بالتفهم وتأكيد الحرص على حرية الصحافة وحرية الرأي الآخر. وهذه ميزة اردنية في ظل ملكية مستنيرة وفي عهد الملك عبدالله الثاني الذي جعل هدفه الاسمى حرية شعبه وتقدمه ورخائه, جعل الهدف الاسمى الذي يسعى اليه هو حرية شعبه وتقدمه ورخائه. وفي دولة تنشغل منذ اشهر في ندوات وحوارات حول اجتثاث ثقافة العنف والبحث في بناء الديمقراطية واشاعة روح الحوار والتعددية.
نتجاوز هذه القضية, نحن في »العرب اليوم« مع ازدياد القناعة بأن خيار حرية الرأي في البلاد هي نهج الملك وسياساته. لكن ايضا وبقناعة الحرص على ان تكون الصحيفة »وفيّة« للروح والمشاعر الوطنية للاسرة الاردنية الكبيرة التي تنبذ لغة التهديد والوعيد المكونة لثقافة القمع. لان الحوار وتقبل الرأي الآخر هي سر تفرد النظام بطابع الاعتدال في بُحيرة القمع من حولنا.0