بقلم :د محمد حسن العمري
-1-
جاء في ذكر حرب البسوس ، انها كانت على جولات تسمى ( ايام العرب ) ، مكثت اربعين عاما ، جاء في اخرها :\" يوم القصيبات موقع بديار فى ديار بكر وكانت لتغلب على بكر.
: بديار تغلب وكانت لبكر على تغلب يوم تحلاق اللمم
\"
، اما المهلهل الذي بدأ الحرب بقوله
:\" نرفض الصلح او تردوا كليباً او تعم السيوف شيبان قتلا \"
فقال في الجولة الاخيرة :\" ان بني عمكم يبغون الصلح واني كذلك واطوف الوديان حتى يقضى الامر \" فخرج وقتله خادماه وبه وضعت الايام اوزارها..!
-2-
لعب القدر دورا عجيبا ليضع الشقيقين المصري والجزائري على موعد مع الصلح ، سجلت مصر حضورا خرافيا متناسقا منذ الجولة الاولى في امم افريقيا بنفس الهمة القادمة التي جعلت من مبارياتها الاربع نموذجا لفريق متفوق على المستوى الفني عن بقية اداء الفرق الاخرى، فيما كانت الجزائر تمتاز بروح قتالية ابرز ، وانا بالفعل لم اشاهد الجزائر على حقيقتها الكروية الا في مباراتها الاخيرة مع ساحل العاج الاول افريقيا ، شاهدت مبارة بالفعل لم اشاهد بحياتي مبارة افريقة بقوتها الا نهائي عام 1986 بين مصر والكاميرون ، المهم كان للقدر دوره وللفريقان حضورهما لعودة الجولات الى مربع لا بد ان يوضع له عنوان غير السياسة ، عنوان هو اللعب النظيف اي الكرة ثم الكرة ثم الكرة..!
-3-
عندما كتبت مقالا قبل شهرين :\" لماذا شجع العرب الجزائر..!!\" تفاجئت كثيرا بانه المقال الاوسع انتشار يومها على الصحف والمواقع والمنتديات ، وكنت محقا فيما ذهبت اليه من خلال الردود التي وجدتها ، لكن اليوم الامور اختلفت باعتقادي الشخصي ، بالامس شاهدت الاستاذ محمد الجزائري استاذ اللغة الفرنسية الذي يدرس ابني في المدرسة ، وقلت له انني ساشجع الجزائر ، واتصلت بصديقي المصري رضا ، وقلت له انني ساشجع مصر ، وكنت محقا على النقيضين ، لا اجد نفسي اليوم منحازا الى احد ، منحاز للاثنين اذ بقيت المبارة بلا سياسة ، فبعد خروج تونس الهادئ من البطولة اتمنى ان يكون حامل اللقب مصر او الجزائر ، وليس غيرهما ، خصوصا بعد خروج المتأهلين الكبيرين لكأس العالم ساحل العاج والكاميرون على ايادي اسود الصحراء والفراعنة الساجدين..!
اذ ظل الوضع عليه ، ساجد نفسي كبقية العرب متناصفى الشعور والود سواء ..!
-4-
اتمنى ان ينصف الاعلام نفسه ، فلا يدفعنا الى جولة جديدة حال العرب المرهق اليوم لا يحتملها ، وقد تابعت ردود الفعل المصرية على الجولة الاخيرة في ام درمان وللانصاف كان هناك عقلاء كثر ، انحازوا لقوميتهم كما فعل من الجزائرين كذلك ، وفعل الكثيرون غير ذلك في النفخ في الكير ، فحققت السياسة ما حققته من ويل و ثبور ، كتب فهمي هويدي مقاله الرائع قبل الجولة الاخيرة والذي اعتقد انه افضل ما كتب في حينها :\" هُزمنا جميعا قبل المباراة\" وختمها قبل ايام بمقال :\" المصريون الجدد\" والذي عاب فيه على الحال الراهن للمنزلقين في ركب ( المصرنة) تحقيقا للراهن من السياسة ، متجاهلين الدور القومي المصري الذي تراجع كثيرا ، كنت اتمنى على الاعلامية الرائعة منى الشاذلي في برنامجها بعد المبارة امس ان لا تعيد بث لقطات بالموبايل للشغب الذي حصل في ام درمان ، فتنفخ في نار خمدت ونتمى ان لا تكون ، كنت اتمنى ان لا تعيد المبارة الى عبارتها :\" الي في القلب في القلب!!\" ، لكن ضيف منى الشاذلي كان يملأ القلب وهو يدعو الى العودة الى مربع الاخوة الاول خارج حدود ايام العرب ، فثمة عقلاء كُثر ، وثمة مجانين يملاؤون ساحات العرب ، فلتكن هذه المرة الكلمة للعقلاء..!
-4-
يشعر العرب الممتلؤون بالروح القومية لما آل له الوضع العربي الراهن ، ويشعروا اكثر بالحنين للدور المصري القيادي في العالم العربي ، فحتى عندما كانت مصر على نقيض مع المحور العربي الاخر في كامب ديفيد ، كانت على رأس محور السلام لوحدها فكانت محورا وكانت رأسا ، فيما كانت قبل ذلك على قمة التآلف العربي حتى في حرب فلسطين البائسة ، كانت مصر محورا ورأسا كبير ، وهو ما دغدغ مشاعر العرب الكبار اليوم كيف يتراجع الدور المصري الى ما تراجع اليه ، ولماذا لم تظل مصر حيث كانت ، حتى في المحاور الاخيرة التي نتمنى انها قد تلاشت ، كانت سوريا على قمة محور الممانعة فيما السعودية على قمة محور الاعتدال ، فيما جرح كبرياء كل القوميين العرب ان دور مصر تراجع ، وهو رائ المصريين ( الكبار!) ، واليوم اذ تتلاقح المحاور العربية ويلتقى الساسة السعوديون والسوريون ،نتمنى عودة مصر الشقيقة الكبرى لدورها التاريخي ، بتسجيل مواقف نتباهي بها جميعا ، نتمنى تلك المواقف عاجلا غير آجل..!
-5-
تحدث بعض الكتاب ( الصغار!) في جولة ام درمان عن دور مصر في الثورة الجزائرية ، وهو امر ما كان يجب ان يساوم مع مباراةكرة قدم ، فالطبيعي ان مصر تكون مع الثورة الجزائرية وهو ما حصل فعلا ولا يمكن ان يكون غير ذلك ، ولا يمكن ان تكون الى غير كذلك ، والجزائريون الذين لا يقبلون الضير وقدموا المليون ونصف المليون شهيد ، واجبروا تشارل ديغول اخر الجولات ان يدعو الى الاستفتاء ، وكان ان اختار الجزائرون الاستقلال ليس سواه ، وبه وضعت الحرب اوزارها..!
-6-
الحلم اليوم على الابواب ، وموعدنا مع العقلاء ، موعدنا مع كرة القدم خارج اسوار السياسة ، وخارج اسوار الاقليمية وملوك الطوائف وجولات العرب..!