سواء قدّمت حماس التعزية للنائب محمد دحلان من باب الواجب الديني والانساني او من الباب السياسي الدعائي ، فإن حركة حماس تصرفت بمنطق الانقسام وثقافته بالطلب من دحلان تقديم طلب للدخول الى غزة ، وكشفت بالاجراءات الواقعية انها تنظر الى امارة في غزة او مشروع دويلة ، فدحلان هو نائب عن خان يونس فاز بنفس الانتخابات التي افرزت هنية ورفاقه ، ودخوله كمواطن حق لا ينتقصه احد مهما بلغت الخلافات السياسية.
ثقافة تكريس الانقسام ، تمارسها حماس بشكل يجعلنا نحن مناصري الحركة والمؤمنين بدورها وحقها في مأزق اخلافي ونبدو لجمهور القراء نعاني من انفصام سياسي ، رغم عدم انكارنا الخلاف السياسي معها ومع مسلكها في ادارة شؤون الحكم في الدولة المرتقبة او الدولة الحلم.
حماس اكثر فصيل سياسي عانى من الاستبعاد والاقصاء ولا يجوز ان تمارس الضحية دور الجلاد عند اول فرصة سانحة لتؤكد ان يوم المظلوم اكثر ايلاما من يوم الظالم ، وان سيوف الشقيق اكثر قسوة من سيوف الاعداء ، وسلوك حماس سلوك يوحي بأن الحركة لا تنتظر استثمار اية فرصة لتجفيف الجراح وإجراء المصالحة.
ثمة جرح اخر نكأته حماس بخطوتها غير الحصيفة ، يعاني منها ابناء قطاع غزة في كل المطارات وعلى كل الحدود ، وهي المعاناة الدائمة والنظر الى الغزّي بريبة وشك ، فصالات الترانزيت الجوية ومظلات الحدود البرية لو تنطق لقالت كم جلس الغزيون تحتها بل وربما حفر كثيرون اسماؤهم على اعمدتهاومقاعدها ، وتأتي حماس لتعيد المشهد بايدي فلسطينية ، وبيد عانت اكثر من غيرها لتفرض نفس المعاناة ، مما يستدعي تقديم اعتذار لكل المطارات والحدود التي اوقفت الغزّي ومنعته من الدخول او اعاقت دخوله.
حدود غزة الوهمية ، باتت بحاجة الى موافقة من حكومة هنية لابناء القطاع ، وبحاجة الى موافقة الشقيقة الكبرى وقبل كل ذلك بحاجة الى موافقة اسرائيلية ، فهل تقبل حماس ان تكون بنفس الخانة مع اسرائيل؟ سؤال قاسْ ، لكنه واجب الطرح بعد ان ادخلت الحركة نفسها في نفس الخانة ومارست نفس القسوة التي تمارسها اسرائيل ، بل زادت عليه ان الاقصاء صار على الهوية التنظيمية وباتت المواطنة مشروطة بالهوية الحزبية وربما لاحقا بطول اللحية وقصر الدشداشة.
فلسطين ، لم تعد هوية كوطن وراية وحلم ، الا اذا تم التعريف عليها او المصادقة عليها من حركة حماس او فتح ، وربما نحتاج الى معرفين اخرين اذا ما افرزت الحالة المقبلة تشظيا اخر او انقساما جديدا ، بل ان المحافظات الفلسطينية قد تصبح دويلات مثل الاندلس ، ونصبح بحاجة الى جواز سفر فارغ لزيارة فلسطين لان الاختام المدموغة على الجواز لن تكفيها بعض ورقات فارغة في جواز سفر.
حادثة دحلان وقرار حماس ، تمنحان كل من يضيق على الفلسطيني مبررا من داخل البيت الفلسطيني ، بعد ان كانت المبررات جاهزة او معلبة تفترضها ظروف اللحظة العربية الراهنة واحيانا الموقف الثوري والانساني لهذا النظام او ذاك.
حادثة دحلان وموقف حماس يتطلب ان يقدم الغزّي بشكل خاص والفلسطيني بشكل عام اعتذارا لكل المطارات ولكل الحدود ، فقد صدق الشاعر بوصفه قسوة ظلم ذوي القربى ، ويدفعنا الى الصلاة الى الله ان يحفظ الاردن وطنا وقيادة وشعبا: فقد جنبتنا هذه الارض الطاهرة مذلة الاحتجاز والتوقيف والكتابة على جدران الترانزيت ومقاعد المظلات على الحدود البرية.
omarkallab@yahoo.com