لا أعرف لماذا أتذكر "براكيّة الزينكو" في مخيّم البقعة. وذات البراكيّة في مزارع قرية الكرامة؟ بالتأكيد أن المطر المتساقط الآن هو القاسم المشترك.،، الله على أيّام المطر زمان.،، أيام كنّا ساكنين بالمزارع. ولا كهربا ولا مواصلات ثابتة.،، أيّام "اللوكس أو شنبر أو شمبر" والتلفزيون الميتسوبيشي أبو أربعطعش بوصة أبو بطارية وملاقط.،،.
في مثل هذا الجو. إن لم يعلنوها عطلة. كانوا يروحونا من الحصّة الثانية أو الثالثة. والتلفزيون الأردني اللي يفتح على الخمسة: يفتح استثنائيّاً مع بداية ساعة التعطيل. قال عشان يلمونا وما نطلع برّة.،، كان التلفزيون يبث بشكل ثابت إحدى المسرحيات التالية وما فيش غيرها "العيال كبرت: مدرسة المشاغبين: ريّا وسكينة".،،.
كان خوفي دائما يتمركز أن تخلص بطاريّة التلفزيون من الشحن وتقطعنا من المُتعة.. وأولى الدلائل لذلك هو أن تتقلص مساحة الشاشة أم أربعطعش بوصة إلى أقل وأقل. ويظهر خطان أسودان مستقيمان واحد أعلى الشاشة وواحد أسفلها. ويصبح الخطان عريضين كلّما دنا شحن البطاريّة من النهاية،، كلّنا كنا نقول: يا رب.. يا رب.. يا رب..،، نقولها بتضرّع وخشوع وبصوت مسموع وصوت خافت وبصوت الضمير.،، وعندما يخلص الشحن تماماً وتصبح أصوات الممثلين ممطوطة وغير مفهومة وأشكالهم مضغوطة. كنّا نسب ونلعن عرض الكهربجي اللي شحن البطارية لأنه "ضحك علينا ومش شاحنها مليح" وبالحقيقة احنا استنفذنا آخر نقطة شحن..،،.
فرحتنا الكبرى كانت متى؟ إذا كان "أبوي" موجوداً وأعلن أن لا مشاوير لديه. هذا يعني أن يصف "بكم الديانا" بجنب شباك براكيّة الزينكو ونمدّ ملاقط التلفزيون أبو أربعطعش بوصة إلى بطارية "البكم". وبطارية السيارة ما تخلص شحن بالمرّة،،.
أتذكر بعض ذلك. والمطر النازل الآن يمد ملاقطه ليسحب من داخلي شحن التفاصيل. ولا أهتم لكل ملاقطه. لأن عندي تلفزيوناً ملوّناً "واحد وعشرين بوصة" وعلى الكهربا. وفيه ألفين محطّة. وبالعكس أنا بانتظار تلفزيون 39 بوصة من ماجد الطريفي. ومع كل هذه القنوات التي لا تُعد: والتي تبثّ على مدار الساعة: إلا أنها كلّها لن تُعيد حميمية مشهد صغير لتجمّع العائلة في يومْ ماطر كهذا. في براكية زينكو في مزارع قرية اسمها الكرامة ما زالت ترى الأشياء بالأبيض والأسود رغم كل الألوان التي دخلت على الخط،،،.
abo_watan@yahoo.com