يبدو أن الحكومة لن تقع في مطبّ المواجهة مع المواقع الالكترونية. ويظهر الآن ميزات وجود اثنين من المستشارين من جذور إعلامية راسخة في الرئاسة، حيث أمكن سريعا استيعاب الموقف وتلافي أزمة في ضوء ما افترضت المواقع الالكترونية أنه نوايا حكومية عدوانية سوف تقوم بعد قرار محكمة التمييز بسنّ تشريع مقيد للإعلام الالكتروني.
لقد نتج عن اللقاء في ديوان التشريع تنفيس حالة الاستنفار عند المواقع، وصدرت تصريحات عن رئيس الديوان هشام التل بعدم نية الحكومة وعدم حاجتها لإصدار أي قانون أو نظام خاص بالمواقع الالكترونية وأن قانون المطبوعات لا ينطبق عليها بشأن التراخيص، لكنه يشملها في المساءلة على التجاوزات، التي يعاقب عليها القانون، وسيصدر لاحقا تفسير من رئيس الديوان لقرار محكمة التمييز.
في كل الأحوال يعرف الصحافيون أن المساءلة استنادا لقانون المطبوعات أفضل من الاستناد لقانون العقوبات، الذي يتيح الحبس ويفرض عقوبات أقسى.
في المقابل التزمت المواقع بإصدار مدونة سلوك تضبط المهنية في الأداء، وسيبقى للعاملين في الإعلام الالكتروني حرية تسجيل شركات ووجود اسم ناشر ورئيس تحرير على الموقع اذا ارادت المواقع الحصول على وضع مؤسسي وقانوني ملائم والحصول على إعلانات القطاعين العام والخاص.
على جبهة أخرى ظهرت تفسيرات للتغييرات في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون ترى فيها تحولا نحو التشدد وفرض اللون الواحد في الإعلام، لكن العارفين بخلفية القرار يستطيعون التأكيد ان رؤية أخرى مختلفة تقف وراء القرار عنوانها استنهاض الإعلام من ركوده القاتل واستنهاض قدرته على التأثير.
ذلك لا يتحقق ابداً بحجب الرأي الآخر، بل العكس تماما. حتّى خدمة الموقف الرسمي للدولة أو الحكومة لا يتحقق بإعلام اللون الواحد والرأي الواحد، فالإعلام الأحادي لا يخدم الرأي الرسمي ولن يكون فعّالا بأي حال، وهو في الجوهر يحيّد نفسه في الساحة، ويفقد المصداقية والتأثير ويترك فراغا يملؤه الرأي الآخر، الذي لا يقود حجبه إلا إلى زيادة الاهتمام به ورفع مصداقيته وتسليط الأضواء عليه أكثر من وسائل الإعلام الخارجية أو المحلية البديلة.
إعلام اللون الواحد هو الصنف الموسوم بالإعلام المرعوب الذي يسير "الحيط الحيط". وهناك حاجة إلى فطنة إعلامية وجرأة سياسية لتحقيق الحيوية و"التأثير" المنشود، وليس فقط بحضور "الرأي الآخر" في وسائل إعلامنا بل أيضا "الخبر الآخر". وهناك حاجة لعدم التهيب من السجال الوطني على شاشاتنا بدلاً من أن يدور هذا السجال فقط عبر الفضائيات الخارجية.
لقد تأخر الاردن كثيرا جدا، وخصوصا في الإعلام التلفزيوني، فبات يفتقد بصورة خطيرة لأدوات التأثير حيث لم يعد هناك سوى قناة تلفزيونية عامّة واحدة نصف نائمة في وقت توسّع فيه الدول أذرعها وتنوعها.
إذا كانت هذه هي التوجهات، فإن ظنّ بعض الأوساط التي تبشر بمرحلة من الكبت والتضييق والخنق للحريات الإعلامية سيخيب تماما.