محمد بوعزيزي الشاب التونسي ابن ال26 عاما الذي أضرم النار في جسده إثر مصادرة البلدية لعربته التي يبيع عليها الخضار، ولطمه على وجهه متهَما بعدم قانونية نشاطه، فأجج بعد ذلك الثورة التونسية، بل كان مشعَلَها، والمفارقة العجيبة أن من اتهم محمد بوعزيزي هذه التهمة، كان الفساد يستشري في عروقه، ودمائه، ودماء أبنائه، وتكررت هذه الحادثة في الجزائر ومصر وموريتانيا مع عدد من الشباب هناك، ولا بدّ أن هناك قصة لكل واحد منهم، فلا أحد يقدم على إشعال النار في جسده دون سبب عظيم، كل ذلك يدفعنا إلى التساؤل: إلى أين يقود القهر والفقر الشباب العربي؟!
لقد تعبت الشعوب المنهكة من الظلم والفساد، قالوا للشباب: لا وظائف ابحثوا عن أي عمل آخر، فاستجاب الابن الطيب محمد بوعزيزي، واحتضن عربة ربما عوضته عن الحاجة إلى الوظيفة رغم حر الشمس، وقرّ البرد، لكنهم لم يحتملوا رؤية محمد يجمع قروشا لقوت يومه، وقوت أمه وأخواته، أرادوا إضافة هذه القروش إلى ملايينهم.
لا أدري كيف لأصحاب الملايين الفاسدة أن يقيموا حفلات الشواء بعد اليوم، ولا يشمون رائحة جسد محمد المحروق وزملائه تنبعث من بين أطباق موائدهم الفاخرة؟! وكيف سيدخنون السيجار الفاخر وكل أنواع التبغ الأخرى، ولا يلمحون خيوط دخان حريق جسد محمد وزملائه تنبعث من أفواههم؟! لم تكفهم سرقة الملايين، فحاربوا محمد على عربة خضار، لقد ترك لهم المكاتب الفاخرة، والوظائف الكبيرة، والرواتب الضخمة، وأفانين السرقة والنهب، واكتفى بندى جبينه المتساقط، وعربة الخضار، لكنهم حاربوه عليها، ونافسوه فيها، وبعد ذلك يُرجع الإنسان خطاياه إلى الشيطان، لقد بتنا في هذا الزمان لا نعرف من هو الشيطان!!
عائلات متنفذة بعينها تسرق قوت الشعب، ومؤسساته، وشركاته، وكل ممتلكاته، فهم الوزراء، ورؤساء الوزارات، وأصحاب الشركات، ومدرائها، وهم المستشارون، ورجال الاقتصاد، ومدراء المكاتب...هم كل شيء حول الحاكم، هم الأنساب، والأصدقاء، والجلساء...فلا غرابة أن يقف زين العابدين أمام العالم مترنحا ليقول أنه بعد حكم 23 عاما لا يعرف شيئا، ولا أدري كيف قضى دكتاتور تونس ال23 من عمره، وهو لا يعرف شيئا عن ملايين المقهورين من شعبه؟! حتى وصل الغضب بمحمد أن يحرق نفسه أمام العالم قهرا، لعلّ الطغاة، وكل الأمناء على ثروات الأمة، التي يستثمرونها في خارج الوطن العربي، أو يكدّسونها في بنوك الغرب، فيحرمون أبناء أمتهم من ريعها، علهم جميعا يستفيقون من غفلتهم، ويعرفون شيئا.