بقلم : م. سائد العظم
حاولت جاهدا أن أحلل كيف استطاع محمد البوعزيزي من خلال إحراق نفسه أن يجيش الشعب التونسي للخروج في الشوارع وقلب نظام الظلم والإستبداد الذي أفقر وقهر الناس وضحى بمقدرات وشركات الدولة وأعادها عقودا للوراء !!
وقد سألت نفسي لو كان البوعزيزي أردنيا وقام بهذا الفعل فهل سيتحرك الشارع الأردني ضد ظلم وسياسات الحكومات الأردنية وتصرفات بعض أجهزتها الأمنية ؟!! هل الأردنيون بحاجة لأمثال البوعزيزي لينفضوا أدمغتهم وأن يشحنوا إرادتهم ضد مقاومة الظلم والقهر وفرض الإصلاح ؟!!
ولقد وجدت أن من واجبي أن أسجل امامكم أن ما قام به البوعزيزي هو سرقة براءة الإختراع الأردنية في إيذاء النفس تعبيرا عن حالة الظلم والقهر والإستمراء !! فكم سمعنا في الأردن عن بعض محاولات الإنتحار من أسطح البنايات إحتجاجا على الفقر والبطالة وغياب حرية التعبير وتزوير الإرادات !! ألم يقم احد المواطنين بإطلاق النار على نفسه عند دوار الواحة إحتجاجا على وضعه الإقتصادي المزري الذي وصل إليه ؟!! ألم يقم أحد المسخمين بإحراق نفسه سخطا على عدم مقدرته تأمين قوت عياله ؟!! ألم نسمع بجرائم قتل رب الأسرة لأفراد أسرته لإراحتهم من الفقر والقهر قبل قيامه هو بالإنتحار ؟!! ألم نشاهد عشرات من أفلام اليوتيوب والتي تصور إعتداء بعض أفراد الأجهزة الأمنية وصفعهم لبعض المواطنين أكثر مما تم صفعه للبوعزيزي مع بعض من الشلاويط وكثير من البصاق ؟!! فهل تحركت مشاعر الشارع الأردني حول تلك القصص والتي جاءت قبل إحراق البوعزيزي نفسه !!
لقد جاءت ردة فعل من تجمهر حول كل تلك القصص بأن وجهوا كاميرات هواتفهم النقالة ليسجلوا بها تلك اللحظات الشيقة المثيرة حتى تشاهدها زوجاتهم وأصدقائهم وليتسلوا بها ويتناقلوها بينهم متناسين بأنهم قد يكون أحدهم مكان هؤلاء المقهورين في يوم من الأيام بينما قام السائقون المحشورون في سياراتهم بشتم هذا المنتحر بسبب الزحام الذي أوجدته فعلته الشنيعة !!!
ومن هنا خلصت إلى السر في نجاح فكرة البوعزيزي والتي لم يكن له دور فيها وقد أفضى إلى ما أفضى وهي أن هذه الأفكار بحاجة إلى شعب يحرر نفسه من العبودية والظلم والقهر !! شعب يريد أن يغير غير آبه بالعصي التي ستلقى على رأسه !! شعب يريد أن يضحي بنفسه لتعيش ذريته والأجيال من بعده بأمن وأمان !! شعب يرفض أن يكون ألعوبة بيد بعض المتنفذين الذين يضغطون باتجاه سن القوانين الضريبة لمصلحتهم الشخصية أو إنشاء شركات عائلية حكومية مستقلة ماليا وإداريا أو تطويع مؤسسة الضمان لقرارات تدميرية !! شعب ينزل إلى الشوارع عند رفع سعر المحروقات والمواد الغذائية والخضراوات !! شعب يقف كالعلقم في حلق كل مسؤول يفكر أن يساهم بتشريع وسن قوانين الفتن التي تفرق الأهل والعشيرة وتفتيت المفتت وتفرز لنا رويبضات !! شعب تجاوز إنكار المنكر بالقلب إلى إنكاره بالقول والفعل !! شعب يرفض أن تتمأسس الزعرنة والبلطجة والإباحية تحت أي مسمى !! شعب يعشق بلده حقيقة وليس تبجحا وزورا متربصا أمام مؤامرات بني صهيون !! شعب يقطع لسان كل من يفكر أن يتطاول على شرفاء الأردن المجربون وليسوا الوهميون !!
عندئذ ستنجح فكرة البوعزيزي التي سرقها منا وقطف ثمارها شعب تونس الأبي !! فهل سينفض الشعب الأردني المعروف بمروئته وكرامته ورفضه للذل والهوان الغبار عن عقله وفكره وإرادته ضد ظلم الحكومات وسياساتها وإجبار صناع القرار على إحترامهم وفرض الإرادة السياسية الحقيقية المخلصة من أجل الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي ... أظن أن النشامى الحقيقيون سينجحون في ذلك ...