بقلم: شفيق الدويك
الرحلة بالطائرة من مدينة هيوستن الى عــمّان مرورا بدبي طويلة جدا و غير مسلية بتاتا بل مملة و شاقة و متعبة و الزمن أثناءها لا يتقدّم، حيث يشعر مسافر الدرجة السياحية على وجه الخصوص شعور المعاقب أو شعور من قد أجلس، عن طريق الخطأ، على كرسي ضيّق غير مريح في زنزانة ضيقة لمدة تتجاوز ال 16 ساعة ، لأن معظم شركات الطيران تتمنى أن تضع راكبا في حضنك للإستفادة القصوى من الحيّز الذي تدفع من دم قلبك لإشغاله، و هناك بالتأكيد فرق كبير بين الذي يدفع من جيبه و بين الذي تدفع المؤسسات عنه ،لأنه محظيّ، بدلات كل شيئ بما في ذلك بدل تذاكر السفر.
لا بد أن تفكر و أنت معلق ما بين السماء و الأرض بأشياء كثيرة و بالموت كذلك، خصوصا عندما تسرح ببعض المسائل الإدارية مثل التعيينات المستندة الى المصالح و ليس الكفاءة و الجدارة، و إرتفاع معدل دوران الموظفين، و تراجع الإنتماء المؤسسي الى معدلات غير مسبوقة، و الشعور بالإحباط الخطير تفاقمه والذي ينتاب المهندسين و الفنيين و الإداريين، متزوجين و عُزاب !، و ذلك ضمن إرتدادات الأزمة المالية العالمية و التنافس على فرص العمل و إعادة هندسة المؤسسات المفتعل و غير المفتعل !
و لا بد أن تشعر بمنتهى القرف، و تقترب من حالة التقيؤ عندما تضطر الى إستخدام ما يفترض أن يستخدمه الآدميون، أعني حمّام الطائرة.
يقدّم من يشعروك، رغم دماثة خلقك، بأنهم مكرهون على خدمتك لك طعاما لا لون و لا طعم و لا رائحة له، و هو يشبه الى حد بعيد مشاركتك لمريض، صاحب نخوة، في مستشفى عام لطعامه. لقد أخطأت عندما إستغربت قيام مسافر هندي، كانت وجهته حيدر أباد عن طريق دبي ، بإخراج طنجرة مليئة بطعام (يكفي ليومين على الأقل) عندما حان موعد الأكل!
بالنسبة إلي إعتمدت على ما حملتني إياه شقيقتي، يحفظها الله، في حقيبة يدي من مأكولات خفيفة.
و عندما ينشف ريقك، مثل ريق جميع الناس الذي يُنشّف هذه الأيام، و لا تتمكن من الحركة لئلا تزعج النائمين على جهة اليمين و جهة اليسار، تستغيث بالمجبرين على تقديم الخدمة اليك عن طريق الإستدعاء الآلي بغرض طلب بعض الماء، و لا أحد يرد عليك لأن طلبك قد تصادف مع حالة ذوبان أو إنصهار من الغزل أو وصلة ثرثرة في المقاعد الخلفية. لا تستطيع حمل سوائل معك على الطائرة، و هذا أمر مربك و محرج لمن يحس بالعطش الدائم.
تتوّج رحلاتك في معظم الأحيان بما يسر و لا يسر الخاطر، و قد توجت رحلتي هذه المرة بما سر خاطري و بما لم يسر خاطري.
فالذي لم يسرّ خاطري هو ضياع حقيبتي الرئيسية الموجود فيها هدايا الأهل (خصوصا هدايا أحفادي و حفيداتي) و التي دفعت عليها 350 دولارا أمريكيا مقابل زيادة الوزن. كيف يحدث ذلك ؟ و هل علينا أن نسأل عن أسس و معايير التعيين في جميع مطارات العالم و دون أي إستثناء ؟ لربما.
أما الذي سرني فهو ما قد مر معي في رحلتي الأخيرة لأنه قد أكد لي بأن أعمال مكتبي الإستشاري لن تتوقف بحول الله!