في البداية لابد من الاشارة الى ان المسيرات الشعبية المباركة التي خرجت الجمعة الماضية اتخذت طابعا سلميا في تحركها الواعي بشعاراتها ومطالبهاالواضحة والمشروعة ،ورفع المتظاهرون شعارات واضحة محقة تجلّت بالرفض الشعبي لظرف معيشي بات لا يطاق ..هتافات للحق في التنمية والعمل ،مرددين لاللتهميش مطالين بالعدالة في التوزيع في الثروة والمشاريع التمنوية ، فقد عانى الشباب من آفة البطالة والفساد..وغلاء الاسعار..باركنا تحركهم بمقال كتبته قبل ايام تحت عنوان (دولة الرئيس..انه غضب الجياع).
مسيرات شعبية لم تحمل اجندة حزبية وليست مدفوعة من الداخل او من الخارج كما روج البعض لذلك، لم تنتظرهذه المسيرات التي خرجت في الجمعة الماضية... في الجنوب والوسط والشمال قرار او تضامنا من احزاب المعارضة ،والتي اعتذرت حتى المشاركة فيها . فحرّكت الاعلام وهزت كيان الحكومة فسارعت الى اتخاذ بعض الاجراءات الخجولة ..وحركت مجلس النواب بعدما كان في حالة غيبوبة سريرية، ليثبت انه على قيد الحياة ،لكن هيهات!!!!!! وجاء الدور على احزاب المعارضة لتلحق بالركب وتستثمر التحرك لصالحها فكان قرارها المشاركة في الاحتجاجات والالتفاف على نجاح الوطنيين الشرفاء التي كانت مطالبهم اجتماعية ، لتوظيفها سياسيا وتحويلها ربما إلى أجندة سياسية، تخدم اهدافها الحزبية.
كانت احتجاجات عفوية ولا دخل لأي حزب سياسي .. انها سلوك تلقائي أساسه التضامن للفت أنظار الحكومة إلى الواقع الاجتماعي نتيجة لتراكمات طويلة وان كان سقف المطالب الشعبية ارتفع ببعض شعاراته الى مطالب سياسية تتماشى فعليا مع مطالب الشارع الاردني مطالب سياسية واقعية كتحقيق العدالة بين الناس وحل مجلس النواب وعدم توريث الوزارات واعادة صياغة بعض التشريعات والمطالبة بالتخلي عن منهج ليبرالي لايناسب النسيج الاجتماعي الاردني والتنديد بالفساد فكان الشعار الرئيسي (اسقاط حكومة الرفاعي ) ولي تحفظ على هذا الشعار فالمطلوب تغيير في السياسيات والتشريعات وليس فقط تغيير الاشخاص، الذي يخدم بعض اجندة لوبيات تتصارع فقط للوصول الى لقب دولة الرئيس على مبدا سلم واستلم ، فقد ملّ الشعب تغيير الاشخاص فهو بحاجة الى اصلاح حقيقي بتغيير السياسات .
فهي بالتاكيد مطالب اجتماعية بالدرجة الاولى .. ليست مطالب سياسية محضه ، وما ادل على ذلك الا حركة مطالب المعلمين المشروعة التي بدات من الجنوب لتتسع شمالا... احتضنها الشعب الاردني كاملا باعلامه ومؤسساته وشخصياته الوطنية لتلاقى قبولا، بعدما تبرأت منها احزاب نعرفها!!!!!!هذا ما يؤكد على حقيقة ان البعد الاجتماعي هو الهم الاكبر لدى معظم الشرائح الاردنية وبالتالي لا يمكن تحميل المضمون والهدف أكثر مما يحتمل،،، فالأحزاب الموجودة على الساحة الاردنية سواءالمحسوبة على الحكومة والتي تدعي انها تيارات وطنية والوطنية منها براء ، او احزاب المعارضة بشتى توجهاتها وارتباطاتها والتي فشلت فشلا ذريعا بجمود برامجها وعدم قدرتها على ان تحاكي الواقع وبقيت حبيس الشعارات، فهي بالتاكيد ليست لديها القدرة الكافية لكي تحرك الشارع ولن تستطيع توظيفه سياسيا باتجاه أبعاد أخرى....
فالشرفاء الوطنيون الصادقون من عامة الشعب مع بعض النقابات المعروفة بمواقفها الوطنية الجريئة تجاوزا كل الاحزاب والتيارات الوطنية والاسلامية ، وهي التي تقود الاحتجاجات بكفاءة ووعي واقتدار،،ولن تسمح بالالتفاف حولها وسحب الاوراق من يديها، ولن تحرك بوصلة الشارع نحو شعارات منحرفة ، فشعارات تونس الحبيبة ليست مكانها ارض الاردن ، فمن الظلم مقارنة الوضع الاردني بالوضع الذي حدث في تونس الشقيقة، فاذا كانت الأردن تعاني من أوضاع أقتصادية متردية بسبب سياسيات الحكومات الاردنية الخاطئة، فليس من العدل والإنصاف ان نقارن الوضع الاردني بالنموذج التونسي وما حدث هناك من ثورة مباركة ضد الاستبداد ،فلا مجال للمقارنة،فنحن في الاردن نتمتع بهامش من الحرية والديمقرطية يفوق دول عربية كثيرة ، فليسس لدينا سجناء سياسيين فحرية الكلمة والراي مصانة ويجب ان تبقى كذلك وحرية التدين وشعائرنا الاسلامية بما فيها الحجاب للمراة المسلمة مصان في العمل ومؤسسات التعليم وفي الشارع العام والحمد الله ،، فالفرق واضح تماما في القيادة فنحن ننعم بقيادة هاشمية حكيمة طالبت واكدت من خلال كتب التكليف السامي للحكومات بان تضع في اولوياتها دعم النهج الديمقراطي التعددي، وتمكين استراتيجية التنمية السياسية في البلاد بحيث تهيئ المناخات الضرورية لذلك ،بل اكثر من ذلك طالب الاحزاب السياسية بتنظيم أنفسها وفق تيارات ثلاث وان يكون لها دور فاعل في الحياة السياسية ، وهذا يسجل للاردن قيادة وشعبا ، نعم من حقنا ان أن نعبّر عن الواقع الذي نعيشه بطريقة سلمية ،فهو حق مقدس ، حق مصان بالدستور الاردني.. نعم من حقنا ان نطالب برحيل الحكومات ليس باشخاصها فقط بل بتغيير السياسات الفاشلة التي تنتهجها، فقد عانى الاردنيين كثيرا ومن حقه ان يعيش في بلده كريما ينعم بخيرات بلده وآن الاوان لان يحاسب المسؤوليين في الحكومات عن تقصيرهم وفسادهم ،، ،فنعم للمسيرات الشعبية السلمية التي تقودها الاغلبية الصامتة ..تتحرك بشكل واعي هدفها التصحيح وليس التدمير .هدفها المحافظة على المنجزات الوطنية، دليلها حب الوطن ومخافة الله ..
اليوم مطالبنون جميعا ان ننكب على رؤية التحرك من زوايا أخرى مختلفة بعيدا عن الديماغوجيا من هذا الجانب أو ذاك وبالتاكيد انه من غير المقبول ان تتجه التحركات الى حالة عنف وجر البلاد الى فوضى وسنفوت الفرصة على الطامحين بتوظيف المسيرات لخراب البلاد، فالمطلوب ليس ايقاف المسيرات بل ترشيدها ، حمى الله الاردن الغالي وابناء الاردن وقيادته الهاشمية من كل مكروه
محمد سليمان الخوالده