التلفزيون الأردني وجريدة الرأي الأردنية مؤسستان إعلاميتان وطنيتان رصدتا متكافلتين متضامنتين المسيرات الشعبية الضخمة التي خرجت للجمعة الثانية على التوالي في عدة مدن أردنية والتي صورتها وكأنها استجداء شعبي لجياع يطلبون رغيف خبز رخيص أو شاي وسكر في متناول اليد وفقط.
كنت في المهجر لعقود خلت وقد كنت ألوم ولا أصدق من كان يتهم إعلامنا الأردني بتزوير الحقائق أو على الأقل حجبها عن شعبنا ومتابعيه إن كان له من يتابعه, وكنت أفتش له دائما عن مبرر وعذر, عن عدم مواكبة الكون بالصدق في نقل المعلومة والموضوعية في الطرح, ولكنني وبعد أن شاهدت بأم عيني وسمعت بأخت أذني ما جرى بين الجامع الحسيني الكبير وما قبل مجمع أمانة العاصمة, في جمعتي الغضب الشعبي العارم, ما عدت قادرا على لوم أحد أو اتهام أحد أو الطعن بوطنية أحد يبتعد عن شاشتنا الوطنية وصفحات صحفنا المتورطة حتى شحمة الأذن بالتزوير وعدم الموضوعية ضمن سياسة حكومية رسمية أقل ما يقال بها أنها استخفاف بعقول الناس وبيعهم الماء في حارة السقايين.
صحيح أن عشرات آلاف المتظاهرين قد هتفوا ضد غلاء الأسعار وحملوا تعبيريا أرغفة خبز كتب عليها شعارات دالة على نفاذ صبرهم من الارتفاع الصاروخي للأسعار وغلاء المعيشة الذي اسقط بأيديهم وما عادوا يطيقون له حملا, ولكنهم نادوا فيما نادوا بسقوط سمير الثاني وحكومته وبرلمانه, وقد قالوا به ما لم يقله مالك بالخمر \"وما تركوا به ستر مغطى\"
أما التقرير الإخباري للتلفزيون الأردني الذي تناول نبأ المسيرات الشعبية يوم الجمعة قد خلا من أية إشارة ولو من بعيد عن حقيقة المطالبات الشعبية باستقالة حكومة سمير الثاني وبرلمانه, وكذلك فعلت الرأي الرسمية.
السيدات والسادة المسؤولين عن الإعلام الرسمي الأردني, كفاكم ضحكا على الذقون, وكفاكم تغطية الشمس بغربال تجاهل الحقيقة والواقع, وكفاكم استهبالا للشعب وشاهد العيان, وكفاكم تزويرا لما يجري بين ظهرانينا وأنحاء المعمورة الذي أصبح في متناول يد الأطفال قبل الكبار وعن طرق عديدة وبسيطة.
هل تعلمون أن وقائع وحقائق وشعارات المسيرات الشعبية كانت تنقل مباشرة على الهواء إلى حيث تريدون ولا تريدون؟
وهل تعلمون أن تقنية البلوتوث البسيطة التي يحويها كل جهاز خلوي هذه الأيام لكافية لنشر دقيق وسريع لمجريات الأحداث وتفاصيلها صوتا وصورة؟
عودوا إلى رشدكم واتركوا للحقيقة طريقها إلى المواطن ولا تخسروا ثقته بالمطلق وتداركوا ما قد فاتكم إن أمكن.
كفاكم أن تكونوا إعلام حكومات لا إعلام وطن, فالحكومات فانية أما الوطن فله البقاء.
جمال الدويري