في مقطع الفيديو الذي تم تداوله مؤخراً والذي تظهر فيه إحدى المعلمات وهي تتعامل مع أحد الأطفال من منطلق سلطوي غير تربوي وتبدو وكأنها تتسلى وتستمتع وهي تتلاعب بعواطف الطفل من خلال تهديده بالضرب ومن خلال التنويع في استخدام المدلول الصوتي الذي يصل في بعض الأحيان إلى درجة إيهام الطفل أنّ مجرد عدم معرفته للكتابة هو جريمة لا يمكن التغاضي عنها وتستلزم العقوبة الفورية، في هذا المنظر العاطفي المؤثر لطفل يستعطف ومعلمة تستمتع بالتلاعب بعواطفه تكمن الكثير من المفارقات التي لا يمكن لأي تربوي إلا الوقوف أمامها والتعليق عليها.
من الطبيعي جداً أن يتعاطف الإنسان العادي مع هذا الطفل وأن ينظر إلى ما قامت به هذه المعلمة على أساس أنه عمل لا أخلاقي يتنافى مدلوله التربوي مع الرسالة العظيمة التي أنيطت بالمعلمين وكل القائمين على العملية التربوية بشكل عام والتي من أول وأسمى أهدافها الرقي الأخلاقي والفكري بالإنسان والارتفاع به عمّا يسيء للطبيعة البشرية نفسياً أو جسدياً. إلا أنّ من غير الطبيعي هو ما تبع هذا العمل غير الأخلاقي من اتهام للمعلمين والعملية التربوية بالانحراف عن المسار التربوي الذي من أجله وجدت التربية والتعليم والذي من أجله أنشئت هذه الوزارة والتي ينضوي تحت لوائها الآلاف من أبناء الوطن الذين أفنوا وما زالوا يفنون أعمارهم في سبيل رسم السعادة على شفاه أطفالنا.
التربية والتعليم مجتمع يتمتع بكل صفات المجتمعات الأخرى . وتحت لواء هذا المجتمع يوجد أفراد كثيرون لا تتماهى أفكارهم ومبادئهم في مسار واحد بل ربما توجد بينهم اختلافات فكرية وهم كأي مجتمع مصغر كالأسرة أو مجتمع أكثر شمولاً كالقرية أو المدينة أو الدولة يضم بين جنباته الكثير من المفارقات التي قد لا تتشابه ولكنها تنضبط تحت مجموعة من السلوكيات والأطر الأخلاقية التي تتحكم بسلوك الأفراد. إلا أن الخروج عن هذه الأطر وارد في كل المجتمعات والأنظمة البشرية حيث أن نزعات الإنسان النفسية قد تدفعه أحياناً للخروج عن المألوف والتصرف بعكس ما هو متعارف عليه.
السؤال المهم هنا هو هل يجوز الحكم على النظام من خلال تصرف بعض أفراده؟ الإجابة قطعاً ستكون لا لأن الأفراد يمثلون أنفسهم بعد معرفتهم بالمسؤوليات المناطة بهم فلا يمكن الحكم على المجتمعات من خلال سلوك الخارجين على الأعراف إن كانوا أفراداً ولكن يمكن قراءة ما بين السطور في حال تحول السلوك الفردي إلى عرف اجتماعي ينتشر تبنيه والعمل به دون وجود ما يكبح هذا السلوك بحيث يصبح مقبولاً لدى اغلب أفراد المجتمع حتى ولو كان سلوكاً سيئاً ونحن لم نصل إلى هذا المستوى بعد في وزارة التربية والتعليم على الأقل.
إنّ السلوك الذي قامت به هذه المعلمة ليست ظاهرة منتشرة في مدارسنا وليس سلوكاً منضبطاً بقواعد وقوانين بل هو سلوك فردي لذلك من الإجحاف والظلم تعميم الانتقاد بحيث يشمل العملية التربوية كلها والقائمين عليها. ربما تتحمل التربية والتعليم المسؤولية الجزئية عن تقصيرها جزئياً في غرس مفهوم التربية والتعليم في أذهان المعلمين الجدد وعدم تدريبهم الجيد على قواعد السلوك والتصرف السليم مع الطلاب بما يسمح لهم بالشعور بالأمان في بيتهم الثاني. ومما لا شك فيه أن اغلب العاملين في هذا المجال يمارسون الانضباط الخلقي دون حاجة للتذكير به وهذا لا يسقط دور وزارة التربية والتعليم وواجبها في عقد الدورات التربوية التي تغرس في نفوس العاملين فيها أهمية التخلق بأخلاقيات المهنة والعمل بها.
في النهاية لم يبق لنا إلا القول أن التربية والتعليم لا تتحمل وزر أخطاء أبنائها الفردية ولكنها مطالبة بتعزيز القيم الأخلاقية والسلوكية في نفوسهم وأن الإجحاف كل الإجحاف هو في اتهام النظام التربوي بناءً على تصرفات جزء من أبنائه وهم قلة قليلة لا تخلو منها الأسرة الصغيرة كالبيت أو الكبيرة كالمجتمع فلماذا التركيز على التربية والتعليم في إبراز مساوئها؟