مأسورة بفلسفة شكسبير, تتبنى قناة الجزيرة الفضائية سياسة ان (العالم مسرح) فكل الوقائع على منصتها (شاشتها) تمثيل درامي.... وان تناول الاخبار من شتى اصقاع الدنيا فن درامي بحت مكنوناته واقعة ما, وتصرف ادبي غير مألوف بالواقعة, وتلمذة للواقعة بأساليب احترافية الى دراما اخبارية تحاكي شغف الاذان بما تتطلبه حاجات اللحظة او درجة الانحراف عن المسرب الطبيعي لرواية الواقعة.
وللوقوف طويلا على المسرح مع الاحتفاظ بالجمهور لا بد لتمثيل الواقع ان ينجرف الى اقصى درجة معقولة من المبالغة غير المتعمدة (ظاهريا) والبهرجة النرجسية حتى تشد انتباه الجمهور الى مبتغى الهدف المنشود من الخبر. ولجذب انتباه الجمهرة لا بد ايضا ان تتخذ في منهجيتها سياسة التخصيص الانتقائي لزاوية بعيدة شاذة من اصل كل الواقعة .وبهذة الزاوية الحرجة جدا تضمن بهدوء سلاسة الانفراد بساحة الهدف والتفرد بتميز التعمق في ارجاء الواقعة.
مخطىء من يقول ان الجزيرة الاخبارية لا تمتهن الاحترافية في نقل الوقائع ..بل ان احتراف صياغة الواقعة بفبركة تخاطب العقل دون انكار العاطفة هو في حد ذاته فن احترافي درامي قديم قدم نهضة الرومان. ومخطئ من يعتقد ان الجزيرة تنحاز لسياسة دولة ما... بل انها لا تنحاز الا لسياستها الخاصة في الانفراد في نقل الوقائع بقالب درامي جذاب غير ابهة بمثاليات وضوابط التواتر الاخباري.
وللجزيرة الفضائية سياسة متعمقة في (جلب الاعداء) فهي تدرك بمكان ان نجومية الدراما تتغذى على اتساع رقعة الاعداء للفكرة المستلبة من الواقعة....وقد نجحت بابهار في هذا ... حيث بنت لنفسها شبكة من الاعداء في كل مكان , هم رأس مالها في التفرد في نشر الوقائع.
وللجزيرة الفضائبة سياسة (لوحة خطيئة الراهب) في التفرد الاخباري.. لوحة بيضاء كبيرة في منتصفها نقطة سوداء عنونت اللوحة (خطيئة الراهب). كل المارين على اللوحة لا يجذبهم كثرة البياض بل ذلك السواد القليل في المنتصف.. وهذا هو فن الدراما الناجحة فالجمهرة لن تبحث عن منبر يتحدث عن بياض الراهب وانما عن منبر يتحدث باسهاب عن خطيئة الراهب ولهذا كان( منبر من لا منبر له).
وللحيادية مفهموم اعتباطي في الدراما الهادفة عند الجزيرة ...اذ تضع نفسها بين كفي الميزان في داخل اليمين المتطرف او اليسار المتطرف حسب رغبتها ....فهي تخيرك بين التفاح والبرتقال حين تنحاز هي للفواكه وتخيرك بين الخيار والكوسا حين تنحاز للخضروات..ولذلك كان (ضيف المنتصف) طبقا سهلا في نهار الجزيرة.
والتعمق في الدراما قد يضيف شيئا من التألق على واقعية الحدث. وقد يفيد التعمق في جانب ما الى جذب انظار الجمهرة عن شيء قد يؤذي مسار الرسالة المنشودة.. مما يحقق كسب بعض الوقت داخل عقل المتفرج لتتشتت افكاره عن طرح لا بد منه بعد ذلك .....ولذلك فان (في العمق) كفيل بأن يغذيك من شريان الخبر المنشود بشرايين متعمقة (جدا) الحد الذي تريده الجزيرة.
وحين تصل الدراما الى باب مسدود ان يفسر الخبر نفسه في بوتقة الغرض... فانها تلجأ الى تقنية بدائية في جعل ممثل آخر يخاطبنا بانفراد بمراد الممثل الآخر.. وبهذه التقنية في (ما وراء الخبر) لا مجال لنا الا أن ننتظر ما تفكر به الجزيرة عوضا عن ادارة تروس افكارنا بما وراء الخبر.
ليس للمتفرج ان يلوم الدراما على ساديتها او ورديتها ولكن ليلوم التوجه الداخلي في على دخول مسرح السادية او الوردية ...ففي كليهما فن راق.