زاد الاردن الاخباري -
وضع منذ 1954 ومطبق في المملكة منذ 56 عاما يمنح قانون منع الجرائم (لعام 1954) المعمول به منذ 56 عاما، الحاكم الإداري بطاقة ذهبية بصلاحية التوقيف الإداري.
وموجبات هذا القانون أنه يهدف إلى الحفاظ على أمن وسلامة المجتمع، لذا منح الحكام الإداريين حق توقيف أي شخص على وشك ارتكاب جرم أو قضية تندرج في العرف الأردني سرية وخاصة على غرار هتك العرض (الزنا).
لكن تطبيق هذا القانون بحرية تامة بدأ يحاصر خصوصا في السنوات الماضية ويواجه القانون انتقادات واسعة تنهال على القانون والخيارات المطروحة إجراء تعديلات على مواد القانون، والخيار الثاني إلغاؤه.
كما تستند مبررات تلك المطالب إلى انه مخالف للدستور، وينتهك الحرية الشخصية للأفراد.
ومع ذلك، يعتقد الحكام الإداريون أن هذا القانون وقائي وسيادي يحافظ على امن واستقرار وحياة المواطنين، ويستخدم عند الحاجة الملحة ومع فئة من المواطنين مسجلين أنهم أصحاب سوابق. فيما قد يطبق على أشخاص كإجراء احترازي لحماية حياتهم خصوصا في جرائم القتل وهتك العرض.
وبلغ عدد الموقوفين بموجب هذا القانون لغاية التاسع من الشهر الحالي نحو 729 موقوفا.
وزارة الداخلية بصفتها الجهة المخولة تدافع وعلى لسان الحكام الإداريين عن هذا القانون الذي ترفض الغاءه لقناعات أمنية ومجتمعية، لكنها بدأت تلتفت إلى الانتقادات، لذا سارعت إلى عقد ورشات تدريبية لكل الحكام الإداريين في المملكة حول التطبيق الامثل للقانون، وكذلك تفعيل إحدى مواد القانون التي تنص على السماح للمحامي حضور التحقيق مع الموقوف الإداري.
وبينما ترفض وزارة الداخلية أي مسميات لها علاقة بإلغاء او تعسف، تصر منظمات حقوق الإنسان على ذلك.
فالمركز الوطني لحقوق الإنسان الذي يتحفظ على كثير من مواد قانون الجرائم مطالبا الوزارة بتعديلها، فيما لجنة الحريات في نقابة المحامين تصر على الإلغاء الكامل لأنه «تغول من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية».
لكن الحكام الإداريين يرفضون فكرة الإلغاء ويتساءلون عن البديل ويعتبرون أي مساس به يهدد الأمن الداخلي واستقراره.
المركز الوطني لحقوق الانسان
ويقول المفوض في المركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتور علي الدباس ان نقد القانون من وجهة نظرنا يستند إلى موقف قانوني وهو أنه «يخالف الدستور وانه انتهاك صريح لحرية الأشخاص».
والانتقادات التي يتحدث عنها جاءت «بعد دراسة معمقة لمواد القانون وتتلخص بمخالفته لمبدأ الفصل بين السلطات».
ويتابع الدباس أن بعض أحكام القانون كذلك «لا تتفق مع أحكام الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، خصوصا انه ما يزال يتضمن مصطلحات لم تعد مستخدمة في الوقت الحالي وغير منسجمة مع المنظومة التشريعية الأردنية» ويعزز هذا الانتقاد بذكر مثال من القانون مثل تعريفه للمتصرف بأنه محافظ العاصمة.
ولا يقف حد تغول قانون منع الجرائم كما يقول الدباس إلى حد بل يتجاوز كل الحدود، وهذا الاتهام يعزز بأدلة صريحة من مواد القانون، موضحا أن القانون يلغي مبدأ الفصل بين السلطات.
ويوضح الدباس أن القانون «منح الحكام الإداريين صلاحية ممارسة بعض الاختصاصات التي تدخل ضمن صلاحيات السلطة القضائية ما يشكل اعتداء صارخا على صلب اختصاص القضاء المبين بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية».
نقابة المحامين
وتتفق نقابة المحامين مع رؤية المركز الوطني. وبهذا السياق يقول مقرر لجنة الحريات في نقابة المحامين المحامي عادل الطراونة أن الحاكم الإداري من خلال الصلاحيات الممنوحة له على السلطة القضائية في تعد صارخ.
ويرى أن «هذا القانون غير شرعي ودستوري»، مضيفا كذلك أنه يتعارض مع العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية وغيرها من المواثيق الدولية التي وقع عليها الأردن.
قانون منع الجرائم قانون ساري المفعول يستخدم يوميا من قبل الحكام الإداريين في جميع المحافظات.
لكن أمام ضغط الانتقادات والتقارير المحلية التي تصدر بهذا الشأن ترفض وزارة الداخلية الاعتراف بصراحة ان هناك تعسفا من قبل الحكام الإداريين في قضايا التوقيف، وتستبعد مصادر مطلعة تعديل هذا القانون لاعتبار انه سيادي ويحافظ على امن واستقرار المجتمع وحياة المواطنين.
ولكن خطوة وزير الداخلية نايف سعود القاضي بالتعميم على الحكام الإداريين مفاده السماح بحضور محام مع الموقوف اعتبرت أنها إشارة ضمنية من اجل تقليل الانتقادات.
وجاءت هذه الخطوة بعد جهود من نقابة المحامين بتوقيع مذكرة تفاهم مع وزارة الداخلية نصت على حضور محام مع الموقوف الإداري.
أي انه تم تفعيل الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من القانون التي تنص على» الإجراءات التي تجري بمقتضى هذا القانون فيما يتعلق بأخذ الشهادة بعد اليمين واستجواب الشهود ومناقشتهم وحضور المحامين وتبليغ الأوامر ومذكرات الحضور وسائر المستندات والاعتراض على الأحكام وتنفيذ القرارات الأصول نفسها المتبعة في الإجراءات الجزائية لدى المحاكم البدائية».
ويرى الطراونة أن خطوة الوزارة «جيدة (...) لكن نصر على إلغاء هذا القانون المخالف للدستور.
فيما يعتقد الدباس أنها «خطوة في الاتجاه الصحيح» لاسيما أن هذه القاعدة القانونية كانت مغيبة، متوقعا أن تحقق هذه الخطوة العدالة وتخفيف الآثار السلبية للقانون.
وزارة الداخلية
من جانبها، تسعى وزارة الداخلية إلى تقليل النقد إلى القانون والاتهامات الموجهة إلى تعسف الحكام الإداريين في تطبيقه. لذا عقدت العام الماضي ورشات عمل حول التطبيق الأمثل لقانون الجريمة بالتعاون مع الصليب الأحمر.
لكن هذه الورشات كشفت عن تشدد الحكام الإداريين وقناعتهم بان قانون منع الجرائم ضرورة لا يمكن التنازل عنها. وبرز ذلك من خلال مداخلاتهم التي تلخصت بأنه «يحمي الأمن الوطني الاجتماعي».
الحكام الإداريون
يعتبر محافظ العاصمة سمير مبيضين أن قانون منع الجرائم هو «قانون ردع يهدف إلى حماية الأمن الاجتماعي خصوصا في ظل عصر حديث تنوعت وتضاعفت أعداد الجرائم فيه، وتعرض منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية لبعض التشوهات».
وأهمية القانون تكمن، كما يقول المبيضين، انه «يبحث قضايا ذات خصوصية معظمها أسريّة لها أبعاد اجتماعية تتصف بالسرية مثل قضايا الزنا وهتك العرض والتحرش بالفتيات والرسائل الخلوية المسيئة لأعراض الناس، وهي تتطلب الحل في مكتب الحاكم الإداري بكتمان وتحفظ».
ويشير المبيضين إلى أن معظم القرارات الصادرة بموجب أحكام هذا القانون تمس فئة معينة من المجتمع، وهم «أصحاب السوابق الجرمية المتكررة حيث تقضي المصلحة الأمنية الاجتماعية عدم تركهم بلا كفالة أو وضعهم تحت أنظار الشرطة للحد من نشاطهم الإجرامي».
وينفي المبيضين تمسك الحاكم الإداري بهذا القانون قائلا أن اعتبارا واحدا يلجئهم إليه، وهو أن «الممارسة العملية اليومية والتعامل مع قضايا المجتمع يدركها الحاكم الإداري أكثر من غيره ويمارس مسؤوليته الوظيفية لحماية المجتمع ومقتضيات الأمن والنظام العام».
اما محافظ جرش السابق سامح المجالي فيعتقد أن هذا القانون «يظلم ويهاجم كثيرا رغم انه قانون وقائي يجيز للحاكم الإداري اخذ التدابير اللازمة للمحافظة على حياة المواطنين وأموالهم وأعراضهم» مضيفا انه «يطبق على أصحاب السوابق الذين تكررت اعتداءاتهم على المواطنين ولهم قيود جرمية».
ويعدّد المجالي ايجابيات هذا القانون، فهو «ينسجم مع العادات والعرف والتقاليد داخل المجتمع ، وصلاحية الحاكم الإداري في هذا القانون تساعد على تفادي الجريمة قبل وقوعها، وكذلك يمنع حدوث خلل بين أفراد المجتمع بعد وقوع الجريمة، إضافة إلى أنه يحافظ على هيبة للدولة بعدم السماح لأي شخص بالتطاول والتعدي على المواطنين وأموالهم وأعراضهم».
ويضيف أن القانون هو «وسيلة ضغط في القضايا العشائرية بيد الحاكم الإداري خصوصا في قضايا القتل والعرض، تمكنه من الضغط على الأطراف المتنازعة لإبرام الصلح العشائري الذي ينهي القضية بأكملها ويضمن عدم تعرض أي طرف لأي طرف آخر بعد إجراء الصلح».
ويعترف المجالي ببعض سلبيات هذا القانون ويذكر منها: قيام بعض الحكام الإداريين باستغلال بعض بنود هذا القانون، وكذلك عدم تحديد القيمة المادية للتعهد أو الكفالة بالحد الأعلى وبالحد الأدنى، فيستطيع الحاكم الإداري التحكم بقيمة الكفالة بالمبلغ الذي يراه مناسبا إذ قد يضع مبالغ لا تتناسب مع حجم القضية.
ويشير المجالي إلى حالات انتهاء التوقيف الإداري وهي تقديم التعهد او الكفالة من الشخص المعني ،انتهاء المدة المحددة في مذكرة الحضور قرار من وزير الداخلية بالإفراج عن الموقوف دون تقديم تعهد أو كفالة، وكما انه بقرار قضائي صادر عن محكمة العدل العليا بإلغاء قرار التوقيف الصادر عن الحكام الإداريين باعتباره قرارا إداريا، وكذلك انتهاء التحقيق الذي تم التوقيف لأجله.
التوقيف بمجرد الشك
ويقول الدباس أن خطورة القانون تكمن بمنح الحاكم الإداري صلاحية محاسبة الشخص على مجرد الشك بمعنى أن مساءلة الأفراد تتم على مجرد التفكير بارتكاب جريمة والتصميم عليها أو القيام بالأعمال التحضيرية.
لكن المبيضين يرد على النقد الموجه لهذه الصلاحية بان هذه الخطوة هدفها «المحافظة على الأمن، مبينا ان هذه الخطوة تطبق «عند توفر معلومة أمنية تثبت صحتها بكل دقة حول نية شخص ما بارتكاب فعل جرمي، فيستدعى ويجرى التحقيق معه ويعترف وهو بكامل حريته وبدون أي ضغط أو إكراه انه كان فعلا بصدد التحضير والإعداد للشروع بهذا الفعل الجرمي، وبناء على هذا الاعتراف يتوجب أن يربط بكفالة حتى لا يقدم على تنفيذ مشروعه الإجرامي».
ويرى المجالي ايجابية في هذه الصلاحية، إذ «تساعد على تفادي الجريمة قبل وقوعها». ويتساءل: «أين التعسف حيث انه لا توجه تهمة أخرى للمشتبه به غير التهمة الواردة في مذكرة الحضور، وكذلك انه لا يطلب من الشخص في التعهد سوى الالتزام بالمحافظة على الأمن والطمأنينة العامة وان يكون حسن السيرة والسلوك» مضيفا انه اذا كان القصد في «التعسف في بند الكفالة» فان على الحاكم الإداري «بيان سبب رفض قبول الكفالة أو الكفيل».
مطالب إلغاء القانون
تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) العام الماضي بعنوان: «ضيوف المحافظ - الاحتجاز الإداري يقوض سيادة القانون في الأردن» خرج بتوصية تطالب بضرورة إلغاء قانون منع الجرائم .
ويدعم حقوقيون أردنيون فكرة الإلغاء على حد قول الطراونة لان الجهة الوحيدة المخولة بإصدار أحكام ومعاقبة المخالفين «هو القضاء».
فيما يعتقد المحافظ المجالي ان الغاء القانون سيحدث «فراغا امنيا» الى جانب «إضعاف دور الحاكم الإداري في وحدته الادارية، إذ يفقد قدرته على السيطرة على الوضع الأمني ويفاقم عمليات السلب والنهب والاعتداء على المواطنين من قبل أصحاب السوابق».
ويؤكد المبيضين بدوره أن هذا القانون «ضرورة ملحة ومطلب شعبي واجتماعي» إذ أن العديد من «الوجهاء والشيوخ وقيادات المجتمع المحلي يتساءلون عن البديل في حال غياب هذا القانون ويسجلون تحفظات حول المطالبة بالحد من هذا القانون».
وهذا التساؤل يطرحه المجالي بالقول: «ما البديل» ويطالب من يدعون إلى الغائه «ان يقدموا لنا حلولا لنحمي بعض أفراد المجتمع الذين يتعرضون لمضايقات قد تصل إلى حد التهديد».
ويذكر قضية قام على أثرها بتوقيف شاب لأنه كان يضرب أمه كثيرا ويهددها بالقتل متسائلا: «ما الأفضل توقيفه أم ان يقتل أمه».
التعديلات المقترحة
وتنادي منظمات حقوق الانسان بتعديلات على مواد القانون، يعرض الدباس أبرزها: ضرورة تحديد الأسباب الموضوعية لحالة التوقيف الإداري وعدم تركها فضفاضة خاضعة لمزاج واجتهاد الحاكم الإداري كما هو حاليا.
ثانيا: إجراء تعديلات على بعض مواد القانون التي تشكل انتهاكاً للحرية الفردية للأشخاص خصوصا مسألة تقديم كفالة بحسن السيرة والسلوك للمدة التي يقررها المتصرف، إضافة الى فرض الإقامة الجبرية ودون تحديد عدد المرات التي سيتم وضعه تحت مراقبة الشرطة، وكذلك جعل مدة التوقيف الإداري مفتوحة دون تحديد مدة زمنية.
من جانبه، يؤيد المجالي فكرة تعديل بعض مواد القانون خصوصا نص المادة الثانية (لفظة متصرف) لتشمل المحافظين في كل المحافظات. وأكد ضرورة تعديل المادة الثالثة بأن تحدد الحالات التي يجوز إصدار مذكرة حضور بحق الشخص لتوقيفه.
الطعن بقرار الحاكم الإداري
بخصوص الطعن في قرار الحاكم الإداري يؤكد المبيضين أنه «معرض للطعن وغير محصن».
غير ان الدباس يلفت إلى أن القرارات التي يصدرها الحاكم الإداري استناداً لقانون منع الجرائم غير خاضعة للطعن إلا أمام محكمة العدل العليا في العاصمة ،حيث أن إجراءات الطعن تعتبر مشقة لذوي الموقوفين في المدن الأخرى والقرى النائية المضطرين للانتقال إلى العاصمة وتوكيل محامٍ لتقديم الطعن على القرار الإداري وهذا يتطلب نفقات ورسوم لا يقوى على دفعها كثير من الناس.
الطعون وعدد الشكاوى المسجلة
لا توجد أرقام معلنة رسميا حول عدد الطعون المقدمة في محكمة العدل العليا على قرارات توقيف الحكام الإداريين. لكن أرقام المركز الوطني لحقوق الإنسان سجلت العام الماضي 11 شكوى للمواطنين أفادوا أنهم تعرضوا لتوقيف إداري تعسفي من قبل الحكام الإداريين.
وأجهض الرفض الأمني محاولة «الرأي» مقابلة موقوفين إداريين والتحدث معهم عن ظروف توقيفهم والتأكد ما إذا كانوا فعلا أصحاب سوابق وسجل جرمي كما يقول الحكام الإداريون.
عمان - رانيا تادرس-الرأي