لقد ترددت كثير في كتابة هذا المقال ولسبب واحد رئيسي ، هو أن صائب عريقات من نفس القرية الفلسطينية التي فيها ، وحتى لايقال بأنني رجل متحيز أو منحاز ، اخذت على نفسي أن لااكتب إلا بعد أن تتضح الصورة أكثر ، وكان وضوح الصورة بالأمس اثناء لقاء صائب مع احمد منصور ، وكانت خلاصة ما خرجت به كالتالي : إن أول حلقة قدمت بها الجزيرة برنامجها \" كشف المستور ، وهنا أنا اقدم قراءة اعلامية فقط ، كانت حلقة معد لها بحرفية إعلامية عالية وتدخل ضمن ما يسمى إعلاميا \" نظريةالأطر الخبرية في تقديم الحدث \" ، وكبداية للتوضيح تعرف نظرية الأطر بأنها القراءة التميزية للحدث ، وذلك يتم من خلال مجموعة من الوسائل والتقنيات الاعلامية وبهدف واحد ورئيسي وهو إخراج الحدث من وجهة نظر معد ومقدم البرنامج أو التقرير أو الخبر ، وللمزيد من التوضيح حول ذلك سأسرد الكيفية التي عالجت بها قناة الجزيرة أول حلقاتها من هذا البرنامج وهي معالجة لن تتطرق للمضمون وإنما لما استخدم من تقنيات في ابراز هذه الحلقة ، وفي البداية كانت خلفية مقدمي البرنامج باللون الكحلي المزرق وعنوان الحلقة باللون الابيض و كان مقدمي البرنامج يخرجون من الظلام للضوء من خلال استخدام طريقة \" إبراز واخفاء الجسم المراد تصويره من دائرة الضوء \" وهذا الاستخدام عادة لايستخدم في تقديم البرامج الاخبارية وانما يستخدم في الاداء الدرامي لأعطاء الحدث المزيد من التشويق ، واستناد القناة على اللقطة الكبيرة وابتعادها عن اللقطة الوسطية يمثل خروج عن النسق التقليدي في تقديم نشرة الاخبار وذلك لأعطاء المشاهد دائرة أوسع من التفكير بعيد عن حضور المقدم فقط في الشاشة ،وفي اختيار القناة لمقدمين هما جمال الريان وبنت قنة فيه درجة عالية من التعمدية في اعطاء الحدث حجما أكبر من حجمه الطبيعي ، وذلك لكون هذان المقدمين يمتازان بسلاطة اللسان ومهارة عالية في قطع الحوار على الضيف ، والأخذ من كلامه ما يريدون من جمل والتعقيب عليها دون الرجوع للسياق العام للجملة ،وقد تم اعداد هذان المقدمان وبشكل متعمد وحرفي على استعلال بعض الكلمات التي اخذت من سياق الجمل والتأكيد عليها وتكرارها ، ويمثل استخدام قناة الجزيرة للوحات التوضيحية مع وجود شخص اخر للتعليق عليها بخلاف مقدمي البرنامج ، يمثل ذلك أبراز أكثر للجهد الذي تم التعامل من خلاله مع هذه المادة الاعلامية ، وخصوصا اثناء استخدامها للتعريف بالشخص الذي تحدث على الاسم الاخير فقط ، وفي تكرار هذا الاسم كذلك اسلوب اعلامي متعمد لأبراز دور هذا الشخص في هذه الاحداث ، وكذلك نجد أن قناة الجزيرة وفي بداية الحلقة قامت بتقديم إثنان من الخبراء أحدهم متخصص في على الوثائق والاخر متخصص في التاريخ ، وقد كان دور هذان الشخصان يتمحور فقط في محاولة اقناع القارىء بأن اية معلومة قد طرحت أو ستطرح في هذه الحلقة لها مرجعيتها ومصداقيتها ، وهذا الاسلوب جعل من الطرف الاخر في اللقاء وهو صائب عريقات يدخل المعركة وهو لايملك أية معلومة عن طبيعة الحوار الذي سيتم واصبح دوره فقط دفاعي لأنه أخذ على غفلة ، وبالتالي فأن اية محاولة منه لإحداث تغيير فيما طرح من قبل المتخصصين كان تذهب ادراج الرياح لأن المشاهد أخذ معلومة هذان المتخصصان من خلال حوار هادىء ومتسلسل ومن خلال اسئلة طرحت عليهم تناولت فقط مدى مصداقية هذه الوثائق والطريقة التي تم التعامل معها داخل كواليس قناة الجزيرة ولعل محاولة احد هؤلاء المؤرخين بإعتبار ان هذه الحالة لاتشبه أبدا حالة تسريب وثائق ويكيليكس لأنها أخذت من مصادرها أي من ادراج مكاتب المفاوض الفلسطيني ، بينما امتاز حوار صائب عريقات بالصوت العالي من قبل طرفي الحوار الضيف ( صائب ) ومقدمي البرنامج ( الريان وبنت قنة ) ، ومن الادوات الاخرى التي استخدمتها قناة الجزيرة في قراءتها التميزية للحدث ، هي أنها قامت باستخدام اصوات أخرى في قراءة المادة المكتوبة في اللوحات التوضيحية ، وهذا الاسلوب يعطي المشاهد نسبة من الواقعية في الحدث المتناول ويبعده عن الجو العام لطبيعة البرنامج ، ويدخله في أحداث تتشبه بالواقعية أكثر ، وهنا تصبح المعلومة التي قدمت قد أخذت حيزا كبيرا في عقلية وذهن المشاهد ، وفي استناد قناة الجزيرة للتقارير المعدة مسبقا في واقع الحدث ( الاردن ولبنان وفلسطين ) جعل المشاهد اكثر ارتباطا بواقعية ما سيتم أو تم طرحة من معلومات ، وهنا اشير ألى أن نظرية الاطر في استخدام قناة الجزيرة قد برز في اختيارها للكادر من مواقع التقارير الميدانية ، فهي اختارت لقطات تتسم بالظلمة ( اي التصوير تم في الليل ) لأعطاء المشاهد شعور بسرية ما يتم تناوله ولعل الكادر الذي تم من خلاله عرض دعاية تقرير مراسل الجزيرة من لبنان لأكبر دليل على هذه القراءة التمييزية للحدث ، وممكن قياس ذلك على كل كوادر التصوير للتقارير الميدانية الأخرى ،ولا ننسى أن المشاهد لا يعلم تفاصيل الجغرافيا على الارض وخصوصا أرض فلسطين ، فأن تقديم تقرير مندوبها في القدس حول أحد الشوارع لدليل على الاستغلال لهذا الجهل لدى المشاهد ،وكل هذه الادوات كانت تصب في اتجاه واحد ومحدد وهو أن قناة الجزيرة قد قامت بإستخدام هذه النظرية الاعلامية ( نظرية الاطر ) بمهارة عالية ، جعلت من الحدث يأخذ حيزا كبيرا من تفكير المواطن العربي ككل ، وهذا الاسلوب المتعمد يعود لمحاولة هذه القناة أن تجد لهذا المشاهد أجندة إعلامية جديدة في وسط الزخم الاعلامي الذي يعيشه المواطن العربي من احداث تونس ومصر واستفتاء جنوب السودان وما يحدث في مناطق التوتر في العالم العربي ككل ، وهنا أود أن اشير الى أن قناة الجزيرة تحرص دائما وابدا على استخدام هذه النظرية أثناء تقديمها لأي حدث أو خبر يتناول الجانب الصهيوني ، ولكنها في تناولها هذا تقوم بإستخدام الجانب التميزي لقراءة الحدث الذي يعرف بتحسين القبيح ، أي انها عندما تقوم بتقديم أي شخص من الطرف الصهيوني فأنها تكون حريصة على الكادر التصويري ( والكادر هنا يقصد به اللقطة التلفزيونية ككل ) لهذا الشخص كأن تأخذ له الصور من خارج مبنى الكنيست وتظهر به مباني من الحجر النظيف مع وجود اشجار خضراء جميلة وارصفة شوارع منظمة وراقية وتكون خلفية المشهد العلم الصهيوني وهو يرفرف نظيفا براقا وعلى سارية عالية بعكس العلم الفلسطيني الذي تظهر وهو ممزق وليس به أية صفة جمالية ، وهنا نجد ان هذا الاسلوب بتصوير العلم له رموز عدة ولعل في استخدامها للقطة مجموعة الاعلام الصهيونية المتكرر اثناء تغطيتها لحرب غزة لدليل على ذلك الاستخدام المتعمد ، أو أن تأخذ الكادر لصهيوني يلبس اللباس العسكري بكامل قيافته وتحرص على أن يبرز هذا الشخص كمصدر للقوة من خلال حمله على اكتافة للرتب العسكرية التي يمثلها ، وعادة هي تفضل من يمتلك مهارة التحدث باللغة العربية حتى ولو كانت مكسرة ، وهذا الشيء شاهدناه في تغطيتها لحرب غزة ولبنان واحداث سفينة الحرية ، ولعلها تمتاز بذلك لأنها القناة( العربية) الوحيدة، وهنا أضع كلمة عربية بين قوسيين التي يسمح لها بالتنقل بكل حرية في ارجاء ارض فلسطين المحتلة من البحر للنهر ، وعودة للقاء الذي تم بالامس بين صائب عريقات واحمد منصور نجد أن هذا اللقاء قد جاء على خلفية ما تم في اول حلقة من برنامج كشف المستور ، وهنا لم تستطع قناة الجزيرة أن تستخدم أية مؤثرات أو ادوات وتقنيات فنية لأبراز الحدث كما تم في اللقاء الاول مع انها حاولت أن تجعل خلفية المشهد من حيث الاضاءة تتشابه مع خلفية برنامج كشف المستور كي لاتبعد المشاهد عن الجو العام للحدث ، وقد قام صائب عريقات بإستخدام نفس الاسلوب الذي استخدمته القناة معه في اللقاء الاول وهو اسلوب قائم على عدم اعطاء الطرف الثاني أية فرص للحديث وتكرار جمل معينة ومحددة ليتم التأكيد من خلالها على وجهة نظر هذا الطرف على حساب الطرف الاخر ، الامر الذي حدى بمقدم البرنامج أن ينهيه وبسرعة خوفا من أن يحرز الطرف الاخر وهو صائب عريقات أي نقاط انتصار تسجل له بعد معركته الخاسرة من أول حلقات برنامج كشف المستور ، وفي ختام هذه المحاولة لقراءت اسلوب قناة الجزيرة في تغطية الشأن العربي بشكل عام علينا ان لاننسى أن هذه القناة لاتزال والى الان لاتقوم بتغطية أي حدث جماهيري في بلدها الأم قطر ، وللمتابع للجهات المعلنة بهذه القناة لوجد أن كلها تعود ملكيتها للحكومة القطرية سواء من شركات الغاز أو الطاقة أو الطيران ، وفي اللعبة الاعلامية دائما يكون المعلن هو الابن المدلل للوسيلة وتكون حريصة عليه كل الحرص ، وهنا أجد ان هذه العلاقة لايمكن وصفها إلا من خلال جمله واحده وهي ( من دهنه قليله أو إيدم له ) .