لا نكاد نصدق ما نراه أو مانسمعه على شاشات التلفاز، ففي الأمس القريب تونس واليوم مصر، فها هي الشعوب تحسم أمرها في النهاية ثائرة على أنظمتها بكل جبروتها و أجهزتها الأمنية والاستخباراتية والعسكرية، كسرت بل حطمت حواجز الخوف والرعب الذي كانت تتجرعه صباح مساء، في كل اعتقال واقتحام لبيوت الآمنين، في كل مصادرة لأموال المواطنين، في كل فصل تعسفي وفي كل حرمان من ممارسة حق العبادة في اللباس أو الصلاة وفي كل حالة اختفاء لمعارض للنظام لا يعرف أهله إن كان فوق الأرض أو تحتها.
ثارت الشعوب التي عانت من ضيق العيش عقودا طويلة حتى أصبح همها فقط توفير لقيمات قليلة من فتات الفتات الذي يلقيه رجالات النظام وأعوانه، وظنت الأنظمة أن سياسة انغماس الناس في البحث عن لقمة العيش ستشغل الشعوب وتحمي الانظة ونسيت هذه الأنظمة أن سياسة شد الأحزمة المتناهية ولفترات طويلة، أفقدت الشعوب كل ما تملك حتى أصبحت لا تملك شيئا تخشى أن تخسره، فماذا يضير ذلك الشاب الذي يعاني البطالة، وزميله الذي تجاوز منتصف الثلاثين ولم يتمكن من الزواج بعد، وماذا يضير ذلك الموظف الذي ما ينتهي دوامه حتى يسارع لعمل آخر وربما أكثر ليتمكن من سداد القليل من احتياجات من يعيل، ماذا يضيرهم لو بقوا ثائرين في الشوارع ليس فقط أياما بل اسابيع؟
وللنظام المصري خصوصية عند الشعب الأردني، فهو النظام الذي لطالما وقفنا معتصمين عند سفارته في عمان مطالبينه بفتح المعابر، والتوقف عن التآمر مع العدو الصهيوني لإعدام غزة، وقفنا مطالبين بالسماح لقوافل الإغاثة وكسر الحصار لدخول غزة، وقفنا أثناء الحرب على غزة مطالبين بفتح المعابر للأحياء لا للأموات، وها قد جاء حصاد المشاركة في حصار وحرب غزة.
ولن يكون النظام المصري هو النظام الأخير بل سيتبعه نظام السلطة الفلسطينية والتي لايستحق أفرادها أن يطلق عليهم فلسطينيون، من تآمروا على شعبهم، وباعوا الارض، فبعد الخلافات الحادة بين قيادات السلطة والتراشق بالاتهامات الذي طفى على السطح في الآونة الأخيرة ها هي الوثائق تثبت ما كان يدور في ذهننا، التنازل عن الأرض من جهة والتنسيق الأمني بين السلطة والعدو الصهيوني من جهة أخرى، خاصة في الحرب على غزة، ثم تكشف الوثائق التنازل عن حق الشعب الفلسطيني في العودة، ولاندري ماذا بقي من وثائق تكشف ليثور الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات على سلطة لا تمثله، سلطة تاهت في غياهب المفاوضات والاستسلام حتى لم يبق ما تفاوض عليه، فاوضت على القدس والضفة، شاركت في قتل شعبها في غزة، نسقت لاغتيال واعتقال الشرفاء والوطنيين من الفصيل الذي تنتمي اليه أولا ومن كل الفصائل الفلسطينية.
ماذا بقي حتى يثور شرفاء وأحرار وحرائر فتح من تعلمنا على أيديهم ألف باء حب فلسطين والتضحية من أجل العودة اليها بالغالي والنفيس، ويلفظون هذه الشرذمة القليلة ويستأصلون هذا الخبث ويشاركهم ثورتهم كل الفصائل المقاومة من حماس والجهاد والشعبية والألوية وكل الفلسطنيين حتى نعيد معا بناء منظمة التحرير الفلسطينية الممثلة للشعب الفلسطيني كل الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه وألوانه في فلسطين والشتات حتى تحرير فلسطين؟
ما زالت الشعوب حية وستبقى حية، ومازال الشعب الفلسطيني وسيبقى عصيا على الانكسار رغم كل الخيانات والمؤامرات التي تحاك ضده في العلن والخفاء من قيادات جبانة اقترب أجلها أو من عدو اجبن يتحصن بجدار، وإن غدا لناظره لقريب.
المهندسة ناجيــــــــة حلــــــمي