بعد شهر من المسيرات والاحتجاجات الشعبية التي خرجت في الكثير من المدن الأردنية, وتمت وبحمد الله ووعي شعبنا ومؤسساتنا الأمنية وحس الجميع بالمسؤولية الوطنية, بصورة حضارية راقية لم يشوبها شائبة, وأفرزت مشهدا رائعا من التفاهم والتفهم الضمني بين المحتجين ورجال الأمن الذي عز نظيره, حتى في دول أعرق منا بالديمقراطية وأكثر منا ليبرالية.
لقد ضمت هذه المسيرات والاعتصامات الآلاف من الحزبيين والنقابيين والمستقلين من كافة الأطياف والإتجاهات, ضمت الشباب والأكبر سنا, الرجال والسيدات, حتى أقتنع كل مراقب لهذا الحراك لا يشك بأنه يمثل كل أطياف الشعب الأردني, وهي مرشحة للاستمرار واستقطاب من لم يشارك بها بعد, فعليه فلا شك هناك بأنها تمثل نبض الشارع الحقيقي والأكثرية من أبناء شعبنا.
كل هذه المسيرات والمظاهرات والاعتصامات تتقاطع بقاسم مشترك أعلى ألا وهو بكل وضوح وبلا مواربة, إسقاط حكومة سمير الثاني وحل مجلس نوابه الذي خان الثقة الشعبية بمنحها لسمير وحكومته.
ومع التأكيد بأن هذه الرسالة الشعبية قد وصلت بالفعل لصاحب القرار والقائمين على إدارة شؤون البلاد.
وفي خضم الأحداث المتلاحقة الحاسمة في تاريخ عالمنا العربي, والتي صاحبها عنفا ومشاكل أمنية رهيبة, وإزهاقا للأرواح البريئة من المواطنين في تونس ومصر, وانتشارا لعمليات الخروج عن القانون سلبا ونهبا وترويعا للأمنين شرخت العلاقة بين مكونات الشعب الواحد بصورة لا نرضاها ولا نتمناها لبلدنا الحبيب ونرجو الله أن يجنبنا إياها, فإنه بات لزاما على الجميع الذين بتفيأون ظلال هذا الوطن ويتمتعون بخيراته أن يتساءلون بجدية, كيف يرحل سمير الثاني؟
ــ إرادة ملكية سامية بإقالة الحكومة الرفاعية قبل فوات الأوان.
ــ عودة ميمونة لسمير الثاني إلى صوت الضمير لديه, مع استبعادنا لهذا الاحتمال, وتوفير المزيد من العناء والتعب على شعبنا, وتقديم استقالته وحكومتة طوعا لجلالة الملك.
ــ عودة مجلسنا النيابي للعب دوره الحقيقي الذي كلفه به المواطن الأردني, وتصحيح المسار الديموقراطي الذي خرج بالفعل عن سكته بثقة المائة وأحد عشر, وطرح الثقة بالحكومة من جديد وتخليصنا من هذا العبء الثقيل وتوفير الكثير من المعاناة والضنك في ظل منظومة الفساد هذه.
ــ إنتظار كافة هذه الأطراف المعنية إلى إشعار آخر وحتى يندس في المظاهرات بعض من يخرجونها عن التزامها وتحضرها ورقي أدائها, كما حصل يوم الجمعة الماضي في إربد, وحتى يحصل لا سمح الله ما لا تحمد عقباه, وعندها سنقظم أصابع الندم ونملأ الدنيا صراخا وعويلا على الوطن والمنجزات والمكتسبات. وندخل في متاهات نحن بغنى عنها من, لو وليت ولعل.
جلالة الملك يوقف جنون الأسعار, ويصدر أوامر مباشرة لإجراءات تخفف من معاناة المواطن, ويزور المحتاجين وجيوب الفقر في أماكنهم وقراهم, ولا يقصر بجهد أو تعب للتخفيف عن الأهل والعشيرة جور الأيام وإرهاق حكومة الفساد والمفسدين, فهل لنا أن نطمع من جلالته بإجراء أكثر عمقا وأبعد أثرا, والذي أصبح المطلب الجماهيري الأكثر إلحاحا وضرورة, ألا وهو إقالة هذه الحكومة التي فقدت اقتناع الناس وثقة الطبقة الوسطى وفقراء هذا الشعب بها.
أما وقد أصبحتم ترون جلالتكم ضرورة لأخذ زمام المبادرة والمبادأة من بين يدي مسئولي الوزارات المختصة ورئيس الحكومة, فأين الحاجة للحكومة والوزراء يا مولاي؟
إن الأخبار التي يتداولها الشارع الأردني يا مولاي, عن موظفين عامين لم يرثوا الملايين عن أهلهم ولم يربحوا ثروات كبيرة بيانصيب عالمي, وخروجهم من البلد بثروات خيالية, قد باتت موضع تساءل الكثيرين عن جدية الحرب المعلنة على الفساد وأصحابه وجدواها, وأضحت للكثيرين سببا للقنوط واليأس ودوام الشكوى والاحتجاج.
إن من يرى أطفاله يا صاحب الجلالة يتضورون جوعا ولا يستطيع تقديم القليل لهم لتسكيت بطونهم الخاوية أو حتى معاجلة مرض أحدهم بثمن العلاج والمداواة, ومن لا ينام ليله وهو يفكر بحاجة أحدهم لملبس جديد أو ثمن كتاب مدرسي لا يملكه ولا يستطيع حتى استدانة مبلغه البسيط, لهو الأقرب للوقوع تحت ثقل الحاجة والعوز والسؤال, من أين لفلان وفلان هذه الملايين, سيما وأنه لم يتعب تعبي ولم يشتغل شغلي.
إن اتساع الهوة بين طبقات الشعب الأردني يا مولاي وعظم الشرخ بين مكوناته الاجتماعية, وانعدام الثقة بين المواطن وسلطاته المختلفة, لا يخدم الوطن ولا يؤمن السلم الأهلي, وإنه ما بات لنا بعد الله إلا الأمل بحكمتكم وحنكتكم سيدي أن تزيحوا الغمة والظلامة عن شعبكم الوفي الأمين العزيز, وما ظل لنا إلا أن نتوجه عبر صفحات الإعلام الذي يخطط الرفاعي للجمه وإسكات صوت الحق لديه, بالشكوى والرجاء والأمل لمقامكم السامي وجلالتكم الأقدر على القرار وتصحيح المسار.
جمال الدويري