معن عبد الرحمن العداسي –القاهرة
خاص و حصري
شاءت الاقدار ان اقضي يوم امس بالقاهرة – و كانت فرصة لاستشعر ماذا يجري و لكن لم اصل الى قلب الحدث بالتحديد انما كنت استشعر عن بعد !
اول ما لاحظت نظرات القلق لدي المضيفات و المضيفين الجويين في رحلة مصر للطيران من طرابلس الى القاهرة . هم يقومون بعملهم للعدد المحدود جدا للركاب و لكن عيونهم تشعر بالقلق من المجهول. هذا العدد المحدود من الركاب كان ينظر الى بعضه البعض و لسان حاله يقول :" ماذا نفعل نحن هنا؟"
عند هبوط الطائرة تشعر باحساس غريب احساس النزول الى المجهول و خاصة عندما تجد اشارة الارسال في هاتفك الخلوي تقوم بالتقطع . و تجد صالة الوصول شبه فارغة و لكن ازدحام شديد بقاعة الترانزيت .
عند كاونتر الجوازات لا يوجد احد و الظابط منشغل بالسماع للأخبار و يقوم بالختم بدون الاسئلة المعتادة و بسرعة لم نعتاد عليها . و يقول لي " حظر التجول اصبح الان الساعة 4" و يلاحظ عدم وجود افراد من الشرطة في الصالة او لتدقيق الختم .
و عند الخروج من المطار اول ما يلاحظ غياب شبه كامل للشرطة مثل شرطة السير التي من المعتاد انها تتواجد بكثرة . و لاقتراب وقت حظر التجول قررت ان لا ابعد عن المطار كثيرا. فذهبت الى مول قريب من المطار و هو يقع مقابل صالة المغادرين لشركات الطيران غير المصرية . جميع المقاهي و المطاعم لديها شاشات كبيرة وتتابع قناة الجزيرة . و خدمات الانترنت مقطوعة .
في هذا المول اعداد كبيرة جدا من العائلات الخليجية قررت مغادرة القاهرة على عجل و لا يوجد رحلات و تجدهم في جميع المطاعم و المقاهي و حتى السينمات . و هذه العائلات الخليجية معظمها لا يعرف متى موعد طائرته و لكن قررت الجلوس حول المطار استعدادا . و شاهدت مندوبة احدى السفارات الخليجية تقوم بالمتابعة و حصر الاعداد .فجلست اتابع الجزيرة و الاخبار تتوالى. شعرت بالجوع طلبت غذاء و لكن اعتذروا بانهم "شطبوا" اي لم يبقى اي شيء للاكل , قمت بالتجول في جميع مطاعم المول و مقاهيه " نفس الشيء . لم يبقى طعام لديهم . فقررت الذهاب الى المطار.
و في انتظار الباص – طبعا لا يوجد اي فرد من الشرطة- قابلت احدى العاملين في الخدمات الارضية في المطار و هو قلق جدا على عائلته و لم يستطع الاطمئنان عليهم , و لا يوجد لديهم اي وسائل حماية او غذاء و معظم العاملين في المطار لهم اكثر من يوم دوام .
قابلت أستاذ جامعي شاب من ليبيا و هو هائم على وجه و ينتقل ما بين جميع مكاتب شركات الطيران . و نظرات القلق او بالأحرى الهلع عليه . و يريد ان يغادر القاهرة بأسرع ما يمكن . و هو و عائلته لهم 3 ايام بالقاهرة كأجازة و استأجر شقة بدلا من فندق و فجأة انتهى كل شىء اختفت الشرطة و الامن و المباحث في لحظة ( كما حدث في العراق عندما اختفى الجيش العراقي بأكمله) و بأختفاء الامن و مظاهره من الشوارع سادت عمليات النهب و السلب و لم يبقى شىء من مولات و محلات و مستشفيات و الاطفاء و حتى مقرات الشرطة نفسها . و الذي ارعبه هو دخولهم الشقق السكنية و ضرب سكانها و قتلهم اذا قاوموا و سرقتهم . فالناس خائفة من نزول الشارع ، فهذا الاستاذ اخذ جميع الوسائل و الطرق و مهما كلف مادياً لنقل عائلته الى المطار و يريد ان يخرج في أي رحلة الى اي بلد و لكن لسوء حظه معظم الرحلات ممتلئة لمدة 3 ايام او الغيت . و هو قرر ان يبقى بالمطار ل 3 أيام .
هؤلاء يقومون كعصابات منظمة بالذهاب بالشاحنات الى المولات و نهبها و من ثم احراقها . قاموا بسرقة سيارات الشرطة و التجول بها و حتى اسلحتهم و تهديد و ارعاب الناس بها. و وصلت الدرجة الى سرقة سيارات الاسعاف و التجول بها و حتى مستشفى سرطان الاطفال لم يسلم من محاولة نهبه.
في صالة المغادرين الخارجية تجد اعداد مهولة من المسافرين على البوابات الخارجية و هم لا يعرفوا اي معلومة عن رحلاتهم عيونهم على الشاشات .مفترشين الارض .
و دخلت المطار قاعة المغادرين و هنا وجدت معنى الفوضى . رحلات موجودة فجأة تختفى من الشاشة . رحلات ملغاة . رحلات ينادوا عليها و من ثم فجأة تلغى . و معظم الرحلات لمصر للطيران ملغاة . و لدى السؤال : تبين ان معظم الطواقم الجوية و الطيارين لم يتمكنوا من الوصول الى المطار و لهذا تم الضياع .
احد الاخوة من الامارات كانت رحلته مؤكدة و عند ذهابه الى البوابة وجد رحلته ملغاة . فمعظم جداول الرحلات اما ملغاة او تأخير ( و هي مرحلة ما قبل ملغاة )
في الصالات العلوية ازدحام شديد فالمطاعم فوضى و النفايات متراكمة و الاكل نفذ . و نفس الشىء شاشات المطاعم على الجزيرة . و لا يوجد انترنت . و المسافرين يترقبوا الفرج و لا يوجد لديهم اي خبر او معلومة
العاملين في السوق الحرة لهم اكثر من يوم دوام و هم مرهقيين بشدة . اشتريت كتاب " مصر : دي مش امي، دي مرات ابوي" الطبعة 16 و قعدت اقرأ به في انتظار الفرج .
احد الاخوة المصريين شافني اقرأ بهذا الكتاب و قال لي من يقرأ هذا الكتاب يعرف ما الذي يحدث الان . و جلسنا نتبادل الحديث حول انفلات الامن .
شرح لي ما الذي حدث " ممكن ان يكون سبق اعلامي "
الجمعة الخامسة مساءأ : مبارك اقال الحبيب العدلي "وزير الداخلية القوي" فترك الوزير مكتبه ، و مساعديين الوزير قاموا بالاتصال بالوزير لاخذ التعليمات حول القادم و لكن الوزير غير موجود و لهذا لا يوجد تعليمات واضحة، و في نفس الوقت مدراء الامن قاموا بالاتصال بمدرائهم (مساعدين الوزير) و لا يوجد اي تعليمات ، و هنا اصبحت التعليمات عشوائية و خصوصا بعد نفاذ الذخيرة و قنابل الغاز و الرصاص المطاطي و غضب الجماهير – فأختفى الامن " الحمعة السابعة مساءأ نزل الجيش و لكن الامن كان مختفي .
و ربنا ستر معي و طائرتي اقلعت بعد تأخير و اخر شيء سمعته من رجل الامن في مطار القاهرة عند التفتيش فسر لي كل شيء " كل سنة و انت طيب يا بيه ، فش حاجة حلوة"