في الوقت الذي تتنافس فيه وسائل الإعلام على نقل صورة مجريات الأحداث على الساحة المصرية ، يندر أن يتواجد بينهم من ينقل الحقيقة ، فبين عنوان قناة الجزيرة " جمعة الغضب " وعنوان قناة العربية " مصر الأزمة " في النقل الإعلامي لما اتفق الشعب المصري على تسميته " بثورة الشعب " تتنازع الحقيقة بين الانسجام مع الرأي الشعبي العام وبين حرف ذاك الرأي لتسقط النزاهة الإعلامية وتنهار ركائن الشرف الإعلامي فكما نصت المادة السابعة من ميثاق الشرف الإعلامي العربي " بالتزام الإعلاميين العرب بالصدق والأمانة في تأديتهم لرسالتهم ويمتنعون عن اتباع الأساليب التي تتعرض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للطعن في كرامة الشعوب" ، فهل أبقت قناة العربية أي احترام لكرامة الشعب المصري عندما بثت في أخبار عاجلة عن تجمهر عشرة ألاف مصري فقط في ميدان التحرير وتنقل بثاً مباشرا لكورنيش النيل والشارع المطل حيث تتمركز دبابتين وسير بعض المارّة ونقل جماليات القاهرة بلقطات طويلة وقصيرة والسحب في السماء وجمال النيل ، في الوقت الذي تتصدر الأخبار العاجلة في القنوات العالمية أخبار تجمهر عشرات الآلاف من الشعب المصري في ميدان التحرير وعن ازدياد تلك الأعداد ، فلماذا تغتال العربية غليان نبض الشعب المصري الثائر بمقابلات تلفونية تسلط الضوء على عمليات النهب والسرقة وزرع الرعب في صفوف العوام ببث صور تعكس انعدام الأمن في الشارع وانتشار " البلطجية " برسالة غير مباشرة أن قوات الأمن المصري التي قتلت قنصا وعشوائيا أكثر من 230 مصرياً منهم أطفال هي من كانت تحفظ الأمن والاستقرار في مصر وبالرغم من جرائمهم بحق الشباب المصري إلا أنهم يبقون خيراً من ثورة الشعب التي أدت إلى الفوضى ، فماتت دعوات الحيادية الإعلامية لقناة العربية وحلت مكانها سلطات التضليل الإعلامي بل والإعلام المحارب لقناة الجزيرة وهي القناة التي برعت في خلق ردة فعل للشعوب العربية تجاه الواقع المحتوم في شوارع مصر صوتا وصورة لتتعدى بذلك دورها من نقل الحقيقة إلى صناعة الرأي العام العربي انسجاماً مع الأغلبية في العالم العربي فالجزيرة تحدثت بصوت المصريين عندما تمحورت مقابلاتها الهاتفية مع مدونين وصحفيين من داخل المظاهرات ومع المتظاهرين أنفسهم لتنقل بوضوح صوت الجموع الحرة وصوت القنابل التي تطلق عليهم ليعيش المشاهد العربي في آخر العالم في ميدان التحرير ولو للحظات ، واستراتيجية تغطية الجزيرة للحدث بصورة مستمرة بأخبار عاجلة متسارعة أعطت بذلك الحجم الحقيقي للحدث كونه فوهة بركان تتمركز في قلب الوطن العربي ، محترمة ذهن المشاهد العربي معيدة له الثقة في دوره في التغيير محطمة التقليدية والتبعية التي هيمنت على وسائل الإعلام العربي وهنا أربكت الجزيرة وأحرجت جاراتها من القنوات الإخبارية صاحبة الأجندة المرتبة ببوق أمريكي ، و وضعت قناة الجزيرة كل من يتحدث خارج سياقها في تغطية الحدث العربي في خانة العمالة وتهمة الخيانة لدى المشاهد العربي عندما يقارن بين الحقيقة المنسجمة مع فكره وطموحه وبين صوت الظلم القاهر لحريته ، وإن التغطية الإعلامية لأحداث حرب غزة الأخيرة ليست علينا ببعيدة ، وعندما يضعف لفيف الباطل يتصايح بتهمة لصيقة لقناة الجزيرة من خصومها ألا وهي تأجيج نار الفتن لا لشيء إلا لأنها أعادت ثقافة النقد و فن الحوار لحياة الشعوب العربية ولكن هذه المرة حتى مع أنظمتها وسادة القوم فالفتنة في نظر خصوم الجزيرة هي الرأي والرأي الآخر ، والوحدة العربية في نظرهم في الرأي الواحد المطلق الغير قابل للنقاش ، وبالتالي يجب أن يتم إلغاء تردد قناة الجزيرة على القمر الاصطناعي في محاولة لإجبار الناس على التوجه لقناة العربية فرضا يلزم الشارع العربي بحرق تعاطفه وأبجديات ثورته التي عاش معها في تونس أياما وليال وفي مصر ليعود المشهد العربي إلى الركود وسيطرة قانون الصمت ، وما هي إلا محاولة المحترق بنيران شمس الشعوب حجب لهيبها بقبعة قماش سوداء امتصت الحرارة فانفجر الدماغ .واللي ما يشوف من الجزيرة يا مصر أعمى بعيون أمريكية ... فدوى إبراهيم