السقوف والأرضيات السعرية

في كثير من الأوقات قد تعجز الحكومة عن السيطرة على المستوى العام للأسعار ، وخاصة إذا كانت هذه السلع ذات أهمية استراتيجية سواء للمنتج أو للمستهلك ، فنجد مثلاً أن ارتفاع سعر البندورة في الفترة السابقة دفع بالمنتجين محاولة زيادة العرض المحلي من السلع بزيادة الاستيراد والاستفادة من فروقات الأسعار بين سعر الاستيراد وسعر البيع خاصة إذا علمنا أن زيادة الإنتاج المحلي قد تبدو صعبة في المدى القصير ، ونجد أن السلوك المضاد كان قبل فترة قليلة عندما انخفض سعر نفس السلع وقام المنتجين برمي المحصول في الطريق كأسلوب للتعبير عن الانخفاض في السعر وتردي أهمية السلع المالية .
ففي كلا الحالتين هنا ؛ نجد أن الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة ومؤسسة التسويق الزراعي مسئولة عن هذا السلوك . فالمنتج هو مزارع بسيط يحتاج إلى الكثير من مستلزمات الإنتاج التي يحاول تأمينها منفرداً في ظل غياب الدعم الحكومي وجشع المستوردين والتجار ؛ لذلك كان من الأولى وضع حدود عليا أو دنيا للسعر يطلق عليها اقتصادياً بالسقوف أو الأرضيات السعرية .
ففي حالة ارتفاع الأسعار يتم تحديد سقف سعري الغرض منه حماية المستهلك من المضاربات التي يقوم بها تجار التجزئة والسماسرة في سوق الجملة لرفع الأسعار ، كما أن تعدد منافذ التوزيع يدفع بالأسعار إلى الارتفاع أيضاَ ، وفي حالة الانخفاض الكبير تقوم الحكومة بوضع أرضية سعرية تبين الحدود الدنيا للسعر بحيث لا ينخفض عنها سعر البيع ، ذلك أن هذا السعر يجب أن يعكس تكاليف الإنتاج على أقل تقدير ، وللعلم بان هذا السلوك لا يعتبر تشويهاً لآلية السوق أو لأبجديات سوق المنافسة التامة .
فالظروف الاقتصادية والسياسية الطارئة والعوامل الجوية تظهر فيها الكثير من الممارسات الخاطئة من قبل التجار ومعها ترتفع الأسعار كثيراً ، وتزداد حالة الاستغلال في ظل انخفاض المعروض من أي سلعة ، وهنا لا بد من التدخل الحكومي للتخفيف من أثر ذلك على المستهلك بشكل خاص .
لو كان لدينا مؤسسات فاعلة للتسويق الزراعي أو حتى جمعيات تعاونية ناجحة ؛ لما وجدنا أن محاصيل البندورة \" تقدر بحمولة 20 شاحنة\" ترمى على جوانب الطرقات عند انخفاض سعرها في ظل محدودية العرض وزيادة معدل الاستهلاك الضروري حيث يمكن اعتبار البندورة من السلع المهمة للأردني ، ولو كان هناك صناعات تستفيد من عمليات الترابط الداخلي والأمامي مع بقية القطاعات لما حصل ذلك مثل مشاريع رب البندورة ، وهذا ينطبق أيضاً على معظم المحاصيل المحلية الأخرى مثل الزيتون والخضروات .
سياسة وزارة الزراعة بحاجة إلى مراجعة شاملة في دعم الصناعة الزراعية ، كما أن مراحل الإنتاج الكبير والبيع جميعها قد انتهت ، وبرز مكانها مرحلة التسويق التي تتطلب استخدام فنون التسويق من قبل جهات مؤهلة ؛ لتصريف المنتجات وإيجاد أسواق جديدة قادرة على استيعاب منتجاتنا بشكل لا يؤثر على كمية العرض في السوق المحلي ، وبنفس الوقت تحافظ على مستوى مرتفع من الأسعار تمكن المنتج من الاستمرار في الإنتاج وتأمين حياة كريمة له ولأفراد أسرته .
ولا بد أيضاً من النظر إلى تكلفة الفرصة البديلة عند إنتاج السلع الزراعية التي تتطلب مياه أو مستلزمات إنتاجية أكثر من تكلفة استيرادها ، ومحاولة التخصص في الإنتاج والتركيز على السلع التي قد نحقق فيها ميزة تنافسية أكثر .

الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
Nsour_2005@yahoo.com