لا الفقر، ولا الأزمة المالية، ولا شيء من هذا القبيل هو الذي أوصل الأردنيين إلى حالة اليأس، والإحباط، والعنف المجتمعي، التي يعيشونها هذه الأيام، ويخرجون بسببها في أيام عطلهم للتظاهر والاحتجاج، وإسماع صوتهم لصاحب القرار، فالشعب الأردني يعرف ماذا يجري في العالم، ونتائج ذلك عليه، والناس يعرفون مقدرات الوطن الاقتصادية، ويعرفون الظروف السياسية المحيطة بنا، كل هذا ويصبرون، فنحن بالفعل شعب صابر، وربما ساهمت المنظومة الثقافية التي ربينا عليها في تحملنا وصبرنا، حتى وصل بنا الحال إلى ما وصل إليه من الاحتقان، والقهر هذه الأيام.
فما الذي أوصل الأردني إلى حالة القهر التي يعيشها إذن؟
أولا- الأوضاع الاقتصادية البائسة، وهي ليست ناتجة عن الظروف العالمية، بل نتيجة الفشل في السياسات الاقتصادية المتلاحقة، والتي انعكست على غالبية الشعب فقرا وحرمانا، وعلى فئة قليلة غنى فاحشا؛ مما عمّق من حالة الطبقية، وأدى إلى إحساس الغالبية بالقهر.
ثانيا- السياسات غير العادلة في أنظمة الرواتب والتقاعد، ففي حين يتخرّج طالب -مثلا- من الجامعة ليعود بعد أيام يُسمع أساتذته الذين قضوا عشرات السنين في العمل والبحث العلمي.... أنه يأخذ ضعف راتبهم، وربما أكثر، في واحدة من المؤسسات الخاصة، لا لتميّز الطالب في شيء، ولكن لوجود هذه المؤسسات غير الشرعي، والتي لا فائدة لها سوى تبذير أموال الوطن، وتكريس الطبقية، والظلم، والتطاول على الوطن، وحقوق المواطنة، وأما أنظمة التقاعد، فلعل نظرة سريعة إلى نظام التقاعد في الجيش الأردني -مثلا- يؤكد حالة التباين الكبير في الرواتب التقاعدية بين الأخ وأخيه، والجار وجاره، لا لشيء سوى أنّ الأول تقاعد قبل أيام من صدور هذا القرار أو ذاك، أو قبل إجراء التعديل على هذا النظام، أو ذاك وهكذا، دون نظر المُشرّع للبعد النفسي والاجتماعي الذي يوصل المتقاعد وأسرته إلى القهر، والحقد، وهؤلاء يشكّلون نسبة كبيرة من المجتمع الأردني، بل لا يكاد يخلو منهم بيت. إضافة إلى تآكل رواتب المتقاعدين القدامى المتدنية أصلا، ولا أدري كيف لمتقاعد عسكري برتبة عميد، وخدمة أكثر من 23 سنة خدمها في أحلك ظروف الوطن وأصعبها، بل بعضهم خاض حروبا في الجولان وغيرها ويكون راتبه500 دينار، ويأتي وزير أو وزيرة لمدة 3 شهور، فيخرجون بلقب وتقاعد وزير مؤهلهم الوحيد علاقتهم بدبي كابيتال، وقس على ذلك، وتوقع بعد ذلك قهرا.
ثالثا- الفساد الذي استشرى بحيث لم تعد تمر أيام دون سماع عن قضية فساد هنا أو هناك، وقد تُحوّل بعض هذه القضايا إلى القضاء فعلا، ولكننا لا نسمع بعد ذلك عنها شيئا، لا عن الحكم الذي صدر بحق الفاسدين، إن حوكموا فعلا، ولا عن استرجاع الأموال المنهوبة، ولا أي شيء مما يعني الوطن والمواطن، بل يكفينا أن نسمع عن مؤسسة مكافحة الفساد، وأخبار ملفات الفساد الواحدة تلو الأخرى، حتى بتنا نحمل رقما متقدما في الفساد العالمي، ولا بأس أن يبقى المواطن يعيش حالة عميقة من القهر.
رابعا- ملف الخصصة، والبيوعات الكبيرة لمكتسبات الأردنيين التي شيدوها بعرق جبينهم، وبيعت بأثمان بخسة دون المعرفة أين ذهبت أموالها، حيث كان من المتوقع أن تذهب لتسديد المديونية، لكن بدلا من ذلك يفاجأ المواطن أن هذه الممتلكات العزيزة على قلبه قد ذهبت، والمديونية قد زادت، وكذلك القهر أيضا في تزايد.
خامسا- التعيينات غير المنصفة لكبار موظفي الدولة، واقتصارها على فئة دون أخرى، وبرواتب خيالية، توضح الإسراف الكبير لفئة من الناس في حين يطلب من غالبية الشعب التقشف، وعدم التعيين في مؤسسات الدولة بسبب الظروف الاقتصادية، وإذا رفعت الرواتب تأتي الزيادة هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع، ففي حسبة بسيطة للزيادة الأخيرة نعرف أنها تبلغ 75 قرشا للأسرة، أي حوالي 10 قروش تقريبا للفرد في اليوم، فما نفعها لاسيما إذا ما قورنت مع الزيادة الفاحشة في الأسعار على مختلف السلع والخدمات.
هذا غيض من فيض، ونسأل بعد ذلك لماذا يعيش الأردنيون حالة متقدمة من الكبت، والاحتقان، والقهر؟! لذا ولهذا كله، فإنّ الأردنيين يهيبون بجلالة الملك رفع أسباب القهر عنهم، وإبعاد كل شخص يساهم في زيادة الاحتقان عند الناس، حفظا للأردن وقيادته الهاشمية المظفّرة.