سأستثمر المساحة المتاحة للإعلام والإعلاميين للقول وبكل صدق وأمانة تقتضيها المصلحة في نقل رأي الناس الذين يعلموا أن لي مساحة في بعض صحف الوطن الالكترونية بالقول أن التغيير الذي جرى في بلادنا مؤخرا وأطاح بحكومة الرفاعي وجاء بحكومة البخيت لم تلاقي ذاك الترحيب الذي اعتقده النظام ، بل واظهر الناس أحزابا ومؤسسات وطنية وأفرادا استياء كبيرا شابه إلى حد كبير استيائهم تكليف الرفاعي بتشكيل الحكومة السابقة ! وليس الأمر مقترن بالرئيس المكلف اليوم بل انه مقترن بأي رئيس مكلف في ضل تراجع الإصلاحات وبطيء عملها .
فالرجل المكلف كغيره من الرؤساء سبق له أن أدار حكومة سابقة قبل سنين و شوهت إداراته التلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية والبلدية لعام 2007 ، وكرر الرئيس اللاحق سمير الرفاعي نفس الخطيئة في انتخابات 2010، رغم تعهد الرؤساء بالعمل على إعداد قانون انتخاب برلماني عصري وإجراء انتخابات نزيهة ، فقد جاءت الانتخابات السابقة 2007 و 2010 أسوأ مما كانت ! فاستجاب الملك لأراء الشارع بعد اقل من عامين وقام بحل مجلس النواب 2007 خشية أن يشكل نقطة توتر ورفض تزهق البلاد وتحرج الأردن على المستوى الدولي ، فاستبشرت الناس والقوى بقانون حضاري يعالج الخلل السابق ويؤسس لمرحلة جديدة وهامة تعالج أوضاع البلاد برمتها وتعيد تشكيل الحكومات على أسس وطنية وديمقراطية حقه ، لكن الأمر ازداد تعقيدا في تعديلات القانون بما أضيف إليه من مواد تتعلق بالدوائر الوهمية ! ويتشكل المجلس الجديد على ضوء تلك الإضافات بشخصيات نحترم العديد منها لكنها أبقت الباب مفتوح على مصراعيه لدخول عدد كبير من المراهقين والسماسرة والتجار والساسة المحبطين الفاقدين لأمل التعيير ، وتعاود الجماهير من جديد المطالبة بحل المجلس الحالي وإعداد قانون انتخاب عصري طال انتظاره لا يستثني احد ولا يوجه ضد احد !
لا يكفي أن يكون الرئيس من الطبقة المتوسطة حتى نشعر بالراحة لوجود رئيس وزراء من طبقة الغلابى ، ولا يكفي أن نقول انه ابن بلد وابن عشيرة نحترمها ونقدرها لنقول انه اقرب إلينا من غيره من تلك الطبقات الفاسدة والدخيلة على مجتمعنا ، ولا يكفي أن يلتقي قوى وأحزاب ونواب ليقال انه يجري تشاورات لتشكيل الحكومة ، فالقائمة حاضرة والحصص ثابته لأن المشاورات شكلية لا أكثر ! لأن أي رئيس مكلف محكوم بالتزامات ومعايير لا تسمح له بتجاوزها إلا بالحد المقبول وبما لا يتعارض مع تلك الحدود التي تصيغها قوى وأفراد داخل الحكم وخارجه كان يمكن لغيره أن يتجاوزها ويغض الطرف عنها إن أراد حقيقة الوصول بالبلاد إلى بر الأمان .وهذا الرجل ليس من الذين يمكنهم تجاوز الشروط والسير إلى الأمام دون توجيهات البعض .
اليوم ليس كالأمس ، فقد اختلفت معايير وشروط تشكيل الحكومات ، واللاعبون الرئيسيون في التشكيل اليوم ازدادوا ولا بد من إرضاء الجميع ، فالمقربون من الحكم لهم حصص في الوزارة يصعب تجاهلها إن لم يكن مستحيل ، والمحسوبين بالنسب والقربى لهم حصص ، وأصحاب المصالح المشتركة لهم حصة ، والمحسوبين على فئة او مدينة او عائلة لهم حصص ، فسوا أكانوا ذكورا او إناثا ، يحملون جنسية أجنبية او لا يحملونها ! وسواء اخرجوا من وزارات سابقة بحكم الفساد وضعف الأداء والميل المعلن نحو الفئوية الضيقة المكشوفة دون خجل ، وسواء رضي الناس بهم أو لم يرضوا فلا بد من وجودهم ومشاركتهم رغم ما يحيط بهم من رفض شعبي واسع في قرى وارياف ومدن البلاد ! فتلك حصص ثابتة لا يقوى على تجنبها احد إلا من يملك القوة لفرض الشروط وليس قبولها في ضم تلك الشخصيات المفروضة قسرا ! وهو أمر يؤدي دوما إلى استبعادهم من أية ترشيحات لتشكيل هذه الحكومات ! ويستطيع أي مواطن يتابع تلك التشكيلات ان يعرف اكثر من 80 % من هذا التشكيل القادم وفقا للحصص المفروضة !
إن شروط تشكيل أية حكومة في أي بلد ديمقراطي في العالم محكوم بتغير موازين القوى الاجتماعية والسياسية و محكوم بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها بلادهم ، وليس وفقا لمعايير المحسوبية والوساطة والقربى والمصالح الفردية لفئة دون الناس ، وحتى نحتكم إلى تلك العملية الديمقراطية الحقة واحترام مفهوم تبادل السلطة بين القوى والأحزاب حسب ثقلها في تلك المجالس البرلمانية ، فأننا نحتاج إلى عملية إصلاح شامل يحد من تلك التدخلات البغيضة ويمنح الأفراد والقوى فرصة البناء والمشاركة الحقة دون اقتصارها على تلك الفئات الفردية المرتبطة بعائلات محددة دون غيرها ، ودون تلك الإصلاحات فسيبقى تشكيل الحكومات لدينا مرتبط بتلك الكيفية المتخلفة ، وستبقى حكوماتنا تواجه الرفض والاستياء الشعبي حتى لو أدارها أكثر الناس نزاهة وقربا إلى الشعب !! لأن الموضوع لا يتعلق بشخص الرئيس فقط ، ولكنه يتعلق بقوى تشكل أقلية لا تذكر تحرك الحكومات وتؤسس لها لتحقيق غايات ومنافع شخصية وفئوية على حساب الوطن والشعب وهي مصالح آنية لا تعير اهتمامها لمصالح الوطن اوديمومته ، ولكن يبدو إن إجراء الإصلاح المنشود يتطلب المزيد من التحرك والضغط كما الحال في مصر وتونس ، لعلنا نجد من يسمعنا ليس داخل البلاد فحسب بل وخارجها !!