كان كانون الثاني من العام الجديد وكأنه شهر ميلاد الثورات والانقلابات ... شهر ميلاد الشعوب وموت الانظمة ... شهر الصحوة العربية والعدوى الوبائية ... فمن بلد لآخر ومن قارة إلى أخرى ينتقل ذلك الضجيج العربي والاحتقان الشعبي ... ولأول مرة أرى المواجهة العربية العربية .. ولأول مرة أرى تضحيات الأفراد ... وأوقع عقدا أشهد فيه على اتفاق من أبَوا يوما أن يتفقوا ... حتى المطالب متشابهة ... والأساليب هي ذاتها ... ما خبت شعلة الغضب التي اشتاحت تونس إبّان اضرام أحدهم النار في جسده حتى تعالت غضبات أخرى في دول قريبة ... وبتنا نسمع كل يوم عن آخر ينتعل حذاء الآخر ويضرم النار في جسده أمام البرلمانات والوزارات وفي الأسواق وقريبا المنتجعات !!... هي طريقة مبتكرة (للإنتحار) أثبتت نجاحها في اسقاط نظام فصارت مثلا يحتذى
في الماضي القريب خلعت تونس ثوبها الأسود وارتدت آخر موشحا بثورة أرضها مختالة بأبنائها الخارجين لتوهم من رحم الموت الى فضاء الحياة ... وها هي اليوم مصر تثور غضبا وتفيض دما، تنزف ثورة ... في محاولة لا زالت بائسة في أن تلحق بركب تونس ... ارتدّ شهداء الخبز الذين قضَوَا قبل هُنيهة ... ارتدوا غضبا زمجريا مدويا في أصقاع مصر ....... فلتنبض تلك القلوب الميتة من جديد ... فلتحلق أرواح شهداء الثورة في سماء مصر ... كنا نترقب ذلك اليوم الذي ينكسر فيه القيد ...ينجلي الليل أو يستجيب القدر لنداء حياة الشعوب ... لكن ذلك كان له طعم آخر في بلادنا العربية فكل مظاهر الحياة باتت تلتف بعباءة الموت ... إن كان في نقص الشيء فاجعة ففي عدمه فاجعة أكبر ... إن كان في جَوْر العربي فاجعة ففي جور الأجنبي فاجعة أكبر ... إن كان رغيف الخبز محفوفا بالشوك ففي اختفاء الرغيف وبقاء الشوك فاجعة أدهى وأمر ... إن كان في شح الماء فاجعة ففي وجوده كثيرا ملوثا بدماء أفراده فاجعة أكثر ايلاما ... إن كان حيتان السياسة في دولنا أنانيين فكيف حال الدخيلين في تفاصيل الحياة المقحمين أنفسهم في شؤون الدول العربية !!!!
في أيام الغضب في دول الانقلابات : تعليق لدوام المدارس والجامعات ... اغلاق للطرقات ... حرق للمركبات ... هتك للحرمات ...... حظر للتجوال ... تراشق بالرصاص ... سطو على المتاحف ... استيلاء على المحال ... سرقة للمنازل ... إراقة للدماء .. أحدهم يستصرخ لا يجد دواء لابنته ... وأخرى تستصرخ مستنجدة وقد استولى اللصوص على منزلها ... وآخرين كمثلهم ..... بماذا اختلف الوضع اذن عنه في العراق وفلسطين ... ما هي انجازات أبطال الانقلابات وماذا تحقق حتى الان ؟؟ ... كل يوم في مصر المزيد ممن نحسبهم شهداء ... ولم يحسم أمر الحكم في تونس حتى الان ... تشبّث أهل الحكم فيه - أي نعيم مؤقت كانوا فيه ... وأي مصير مجهول ينتظرهم - ... وعاث الفساد بين الأفراد ... فما بين موالين ومعارضين تبعثرت أوراق القضية الأسمى ... هذه الثوارت الشعبية ... سيف ذو حدين ... فلنتق شره ... ولنحسن استغلال الخير فيه ... يدا بيد يستطيع الأفراد خلق التغيير الايجابي بعقلانية ... اللهم أنزل السكينة على دول المشرق والمغرب العربيين ... وأجرنا مما نجهله من سوء العواقب ... اللهم آمين