دائما في العمل السينمائي أو التلفزيوني أو الاذاعي الدرامي تجد هناك شخصيتان محوريتان في هذه الاعمال ، وهما شخصية الرجل الشرير صاحب السلطة والقوة والنفوذ ، والرجل الصالح الذي يستقطب حوله المساكين واصحاب الإرادات الحرة ، وتدور احداث العمل على خلق حالة من الصراع ما بين الشر والخير ، ونحن كمشاهدين عرب ومدمنين على متابعة المسلسلات المصرية والافلام المصرية منذ الخمسينيات شاهدنا العديد من الافلام التي لاتنسى في تاريخ السينما المصرية من مثل فيلم الارض ، ومن المسلسلات كثلاثية نجيب محوظ وغيرها من القصص والحكايا ، وعندما كنا نشاهد الرجل الشرير وكيف يستطيع أن يحرك مجموعة من الرعاع بكلمة واحدة وتسير الجموع لتقف على زاوية من زوايا القرية المصرية التي جميعنا نعرف تفصاليها ولون جدران بيوتها ، وتواجه هذه الجموع الرجل الصالح ومن معه من المساكين ، وعندها يبدأ الحوار بلقطات متوسطة وكبيرة تبرز الانفعالات من كلا الطرفين وتعلوا الاصوات وينقسم المشاهدين كذلك لطرفين أحدهما يؤيد الرجل الشرير والاخر يؤيد الرجل الصالح ، ويحتدم النقاش ويعطي الرجل الشرير الاشارة إلى احد اعوانه ذو الشخصية القبيحة المظهر والحضور في عقلية المشاهد ويبدء القتال بالهروات والعصي وتقلب عربات الباعة في السوق وتتناثر صناديق الخشب والخضروات ويعلوا صوت النساء بالصراخ والنحيب ، ويمتلى الشارع بالعصي المتطايرة فوق الرؤوس ، وعندها يقول المخرج كلمته المشهورة ( cut ) ، وتقف الاحداث وتنهتي الحلقة ونجلس ننتظر اليوم التالي لمتابعة ما هية نهاية هذا الصراع ، وعادة وحسب المتعارف عليه ينتصر الخير على الشر ، ونغادر مجالسنا مبتسمين وسعداء ونخلد للنوم ، الى هنا وانتهت الحكاية المصرية ، وعلى ارض الواقع ومن خلال متابعة ما يتم في ارض مصر العروبة الان نجد ان الكثير من المفاهيم للعمل السينمائي أو التلفزيوني قد كسرت ، وأولها واهمها هو غياب المخرج عن ساحة التصوير وترك الامر للمصورين يأخذون ما يشاؤون من لقطات وجميعها لقطات بعيدة ومسروقة من الاخرين وتفتقد للجودة التصويرية ، وليس هناك حوار للمشاركين في المعركة وانما هناك معلقين من كل حدب وصوب ويتم انتقائهم انتقاءأً اختياريا بناء على وجهة نظر المصور والمعلق الرئيسي على الحدث ، ومدة العرض لا تتوقف وليس لها حدود زمنية ، وهنا لايوجد نهاية للحلقة وتسير الامور على نظام أو اسلوب التلفزيون الواقعي وتصبح الجولات والصولات للكمبارس هي الحدث الاهم في المشهد المصري ، وبين الفينة والأخرى يظهر الرجل الشرير بكامل اناقته وكيافته ليعلق على الحدث ، وفي نفس الوقت يظهر الرجل الصالح كذلك بكامل اناقته وكيافته ليعلق على الحدث ، ويبتعد المشهد الدرامي المؤثر والتقليدي ألا وهو صورة الدم أو ( الكتشب ) عن الساحة ويترك الامر لمخلية المشاهد في تقدير حجم ونوع الاصابات ، والجديد الاخر في المشهد السينمائي المصري هو خروج الاحداث من مواقعها التصويرية التقليدية ( القرية أو العزبة المصرية ) إلى وسط العاصمة قاهرة المعز ، وشارع كورنيش النيل ( شارع الغرام في السينما والتلفزيون المصري) ، وميدان التحرير ، وشارع جامعة الدول العربية ، ونحن كمشاهدين لانخلد الى فراشنا كي ننتظر اليوم التالي لتطور الاحداث بل تبقى الصورة عالقة في اذهاننا في كل الاوقات وتستمر الحكاية الدرامية المصرية وعلى المشاهد العربي أن يقرر متى واين يوقف مشاهدته لهذا الفيلم السينمائي والتلفزيوني ذو النهاية المفتوحة ؟؟