من يراقب انتفاضة مصرالمباركة ومسيرات الأردن وقبلها ثورة تونس العظيمة التي فاقت كل التوقعات مع فارق المطالب الشعبية من دولة الى اخرى بحسب الحالة.
مسيرات مباركة أرعبت أجهزة الأنظمة الرسمية والدول الغربية وأذهلت الشعوب المقهورة وزرعت فيها الأمل من جديد ، احتجاجات عفوية عنوانها أجيال جديدة تحركهم مشاعر عميقة بالغضب نتيجة لتراكمات طويلة، نتيجة الإحباط واليأس وانعدام الأمل بالمستقبل ،حركات شبابية انتفضت وثارت، يحركها مثقفون وقادة من الشباب أنفسهم ،شبابا نضرا تلمع أعينهم بالحلم بمستقبل جديد.
مسيرات شعبية احتضنها الشعب كاملا ،فجلّ هؤلاء الشباب لم ينخرطوا في أحزاب أيديولوجية ولم تحركهم اجندات خارجية ولم توجههم احزاب داخلية او خارجية ، فالأحزاب التقليدية التي عجزت عن تحريك الشارع ،ما زالت تعيش في فضاءات لا علاقة لها بواقع الشعوب ،وشعاراتها عفى عليها الزمن ، وكأنهم لايزالون يعيشون فى السبعينيات والثمانينيات .
لقد أقدمت هذه الاحزاب مع حكوماتها العربية على الانتحار السياسي بمحاولتها عقد صفقات تحت الطاولة كما كان عهدها سابقا ،انهم لايتعلمون أبدا، فقد آن الاوان لهذه الاحزاب ان تتنحى جانبا وتتفرغ لكتابة مذكراتها ،فتريح وتستريح.
هؤلاء الشباب المثقفون الصادقون مع بعض النقابات الفاعلة والشخصيات الوطنية المعروفة بمواقفها الوطنية الجريئة، تجاوزا كل الاحزاب والتيارات الوطنية والاسلامية ، وها هي تقود الاحتجاجات بكفاءة ووعي واقتدار،لقد ظهر الحق وعرف الناس جميعا..انه عصرجديد ..عصر الشعوب بشبابها وشيوخها ونسائها وأطفالها.
لابد للجميع ان يعترف اننا أمام ظاهرة وثقافة جديدة طورتها شريحة من الشباب العربي تكيفت مع أدوات التواصل الالكتروني والتي سبق لها وأن تعارفت عبر فضاءات الانترنت الافتراضية من خلال الفيسبوك والتوتير والمنتديات والملتقيات ، هذه المساحات أتاحت نمطا جديدا من قدرة التواصل الفريد، لم تخطر في بال ودوائر تخطيط الحكومات المتخلفة أو الأحزاب السياسية التقليدية النائمة ، عبر هذه الفضاءات تتم بلورة الرأي العام بشعارات تحاكي الواقع الحقيقي،لتنتقل بعد ذلك الى الحشود من الشباب الثائرين، تنزل إلى ساحات وشوارع وميادين حقيقية على الأرض، بعدما جلسوا طويلا في الساحات الافتراضية ، تحركهم مشاعرمتوقدة بروح الارداة والتحدي ، لم يكن غذائها الافكار الثورية الرنانة والايديولوجيات المستوردة ، بل كانت شعاراتهم بسيطة وصادقة واعتمدت على ركيزتين لا أكثر هما حق الانسان بالعمل والعيش بكرامة وحرية، بمعنى المطالبة بالعدالة الاجتماعية ورفض الاستبداد والفساد واستغلال مقدرات الاوطان ، لذلك كان تاثيرها في الناس كالنار في الهشيم، لأنها شعارات تقبل القسمة على كل الشعوب من المحيط الى الخليج ،هذا الشعورالمتنامي لم تتحسسه الحكومات الغارقة بالفساد والاحزاب اللاهثة وراء مكاسب شخصية بمقاعد في مجلس النواب او تعديل قانون يخدمها شخصيا ليكون لها شرف تشكيل الحكومات ، الأمر الذي جعل الاحزاب وكتاب الصحف الرسمية يغادرون بروجهم العاجية محاولين اللحاق بثورة الشباب وركوب الموجة وسرقة ثمرة تضحياتهم ومحاولة احتوائهم .
كان الاجدربهذه الاحزاب التوحد مع حركة الشباب وفهم حركتها ودوافعها الحقيقة والاعتراف بدورهم وادخالهم في صناعة القرار باختيار قيادات منهم والانخراط مع هؤلاء الشباب بتشكيل نموذج جديد بفكر جديد، ينسجم وتطلعات الأجيال الجديدة لإجراء تغييرات حقيقة ،وبذلك تتوفر خبرة الاحزاب في التنظيم مع روح الشباب بشعاراتهم الواقعية لتخدم شعوبها واوطانها على اسس العدالة والحرية ،يكون الجميع متساوون امام القانون. ولعل هذا الطريق الجديد الذي فتحه الشباب العربي المثقف (جيل الفيسبوك) يضيء درب العرب ويعيد لهم بريقهم وكرامتهم المفقودة ، إنه فجرالشباب... يسطع بنوره ليسطر عهدا جديدا للامة العربية ،يعيد إليها بصرها وبصيرتها التي ضلت الطريق طويلا.