ترددت كثيراً قبل الشروع في ترتيب كلماتي والاسهاب في تنميقها نحو مواجهة تلك القامات الباسقه في وقتٍ احدودبت فيه هامات الرجال وخارت فيه الهمم , فحين يكون الحديث عن وصفي وهزاع ترى البوح في حق الرجال يصبح بنكهه تأخذنا بعيداً وتعيد في ذاكرتنا المتعبه حكايا النار ورائحة الارض بعد المطر وطعم القهوه الاردنيه حين كان العنفوان ورائحة البارود تتسيد مجالسنا وحكايانا المنسيه , كلماتي المتعبه التي ما واجهت تلك القامات الا ازدادت ألقاً وروعه فانطلقت الملم بقايا كينونتي الاردنيه مستجمعاً اوجاع المرحله وذكريات الماضي وحسرات المستقبل علّها تسعفني قليلاً بالابحار حينما تلاطمت بنا امواج التغيير برجال الحاضر واضحت السبل حائرةً كواقع الحيرة الذي نحيا ونكابد .
نحن مسكونون بطعم الوجع والفقر وفقدان الهويه , وللحنين طعمٌ مختلف حين تقرع مسامعنا تلك الاسماء الحيه في زمانٍ ماتت فيه همم الرجال وتسيدت المواقف اشباه الرجال , لوصفي وهزاع هوياتٍ ارتبطت بالارض الاردنيه ولم ترتبط بالشركات يوماً , وسيرتهم العطره بمثابة العقده لمن لا سيرة له حين يشكل التاريخ والهوية والاستقامه عقدة نفسيه للطارئين ومجهولي النسب والفاسدين , هم ( عيال البلد ) الذين خرجوا من بيننا ولم يخرجوا علينا , والذين تذوقوا طعم الجوع والحرمان مثلنا ولم يزدهم ذلك الا تواضعاً , هم الرجال الذين عاشوا معنى اجتماع العائله حول ( كانون الحطب ) فكان درساً طبقوه في واقع السياسه بعفوية الفطره
وشكلت في وجدانهم العقيده الثابته في حب الوطن ووحدة الصف من حوله.
تأخذني الكلمات بعيداً حين الولوج لعرين الرجال امثالهم مستنبطاً من حكاياهم دروساً في السياسه والقوميه وادارة امور الوطن بروح الانتماء والشرف فكانوا الحاضرين بقوةٍ في مشهد الوطن ودوماً كلما صّرح رجلٌ ( قصير القامةِ طويل الظل ) بان ادارة الوطن تشبه ادرة الشركه , وكلما عُوملنا كالايتام على مأدبة اللئام , وكلما اوقدنا بصيصاً للدفيء فاطفأها الفاسدون , وكلما قبضت اليد بقوةٍ على منجل الحصاد لتطعم الاولاد والجوعى كفاف رزقهم فلا تقدر , ستذكركم الاجيال من بعدنا الذين سيعاملون كالغرباء والوافدين في شركات الوطن التي باع الملهمين ترابها وماؤها وخيراتها للقادمين الجدد وكانوا فيها من الزاهدين , ستذكركم باحات الاقصى ومآذن الخليل المستباحه وستبقى الكرك والسلط واربد تنتشي وفاءاً لكم , اما سهول الرمثا وحوران فستحكي لكم هجرة الفلاحين عنها وتختمها بقصة ( عام الزراعه ) الذي قلعنا فيه الاشجار وقبرنا فيه الاكتفاء , ستخبركم الارض عن حكايا قوم ( عاد ) الجدد ومئات الفراعنه الذين حّرموا علينا الكلمه والنَفَس قبل ان يأذنوا لنا , ستخبركم نظريات التأميم وحق الشعب بثروته عن مفاهيم الخصخصه وابجديات اللصلصه التي أُلبست ثوب الشفافيه فبدت عورتها .
يا زعماء الموقف والكلمه ستخبركم الالقاب كيف بيعت على قارعة الطريق وأُزلفت المسؤولية للرجال ( الخداج ) على حين ضعفٍ وغفلةٍ وجهلٍ منّا , ستخبركم سهولنا التي ما عاد يسمع فيها صوت ( المرياع ) والثغاء لاننا تَمَدنّا وصرنا نخجل من ماضينا ومن بيوت الشَعَر حين البستنا برامج التحول الاقتصادي والسوق المفتوحه ثوباً ليس لنا فلم نعد نفّرق بين الكوفيه وطاقية ( الكابوي ) .
ذكرت سابقاً ان البوح في حضرتكم يعيدنا لانفسنا ويشعل فينا الهوية والانتماء , فلأن قاسمتمونا همومكم ودفعتم ارواحكم الزاكيه ثمناً لمواقفكم فقد توالى الزمن علينا حتى نبث لكم شكوانا وافتقادنا للوطنيين الذين يحوزون على احترام الشعب ويحسبون على الوطن جميعه , لقد آنسنا بكم طهراً ورشداً افتقدناه في رجال الحاضر ممن امتطوا صهوة السياسه واورثونا واقع التعاسة والفساد والمحسوبيه فكان لهم ما ارادوا وكُنّا لهم كما يريدون , لم يترك لنا ابناء ( الخبازات ) شيئاً وهم الذين لم يجوعوا يوماً , ولم تترك الشطاره وقرع الكؤوس للطهارة والذات شيئاً , لم تَعُد يا وصفي عجول الارض تحرثها ولم تَعُد الامانة يا هزاع تحمل على اكتاف الرجال حين حملها كل ظلومٍ جهول .