حسان الرواد
مع من تتشاور يا دولة الرئيس, مع أي أحزاب تتشاور وغالبية الأردنيين لا يعرفون أسماؤها ولا أعدادها ولا توجهاتها ولا برامجها إن كان لديها برامج بالأصل غير برنامج الدعم الحكومي المادي المخصص لها, أي أحزاب صنعتها الدولة لتجميل الحياة السياسية المزيفة, تعددية أحزاب مرتبطة بأشخاص تعفنت كراسيهم من طول ما جلسوا عليها, أحزاب الفرد الواحد لم ولن تقدم حلولا وقد استأثر أمناؤها العاميون على من سحبوهم بالمغريات ليكتمل عددهم القانوني, هذه الأحزاب أثبتت فشلها بغيابها عن الساحة الأردنية؛ هذا الغياب الذي تجسّد بجهل شرائح المجتمع الأردني ومنها شريحة الشباب بكل ما يتعلق بها, تفضلوا وانزلوا إلى الشارع وإلى الجامعات, وإلى العمال وإلى كل النخب, واسألوا الشباب إن كانوا يعرفونكم أو يعرفون قبلتكم,أو عددكم, أو أسماء أحزابكم, أنتم مجرد ديكور خادع للمجتمع الدولي وخدمة كبيرة تقدمونها للحكومات مقابل غياب حقيقي للأحزاب الوطنية التي تدفع الغيورين على الوطن دفعا للانتساب إليها, بل والتضحية من أجل ذلك بالمال والنفس والوظيفة؛ لأنه يري أن المبادئ التي يتبناها ويعتقد بها هذا الحزب هي المبادئ الوطنية الحقّيقية ويسعى رغم كل المعوقات أن يحققها, نعم, من هنا فقط وعلى أرض الواقع وبين فئات المجتمع وبعيدا عن الغرف المغلقة والبرستيج الفارغ تثبت هذه الأحزاب برامجها وشعاراتها, وقد أثبتت التجارب في تونس ومصر وغيرها من دولنا العربية هشاشة هذه الأحزاب وضعف ثوابتها وزيف شعاراتها, فقط ليس أكثر من أن يقال هناك تعددية حزبية, وهذا ما لا نريده على الإطلاق, بل نريد إصلاحا سياسيا حقيقيا يفرز أحزابا وطنية ديمقراطية ليست مخترقة من رأسها إلى أخمص قدميها, كم أن الأحزاب الأردنية الديكور الموجودة على الساحة قد ارتبطت بشخص واحد نصّب نفسه إلهً للحزب فلا يستطيع غيره أن يجلس مكانه ولا يراد للشباب أن يتحمل المسؤولية في ذلك, فكيف إن أصبح هذا الأمين العام للحزب رئيسا (لا قدر الله) للوزراء بعقليته وديكتاتوريته في حزبه الموهوم, على الحكومة الحالية إن كانت جادة في نية الإصلاح أن تصحح هذا المسار وهو لا يقل أهمية عن المسار الاقتصادي فهما مساران يكملان بعضهما البعض, الإصلاح السياسي والاقتصادي, كما كنت أتمنى وما زال المجال مفتوحا أن يفتح رئيس الحكومة الجديدة الحوار من أوسع أبوابه أمام فئة الشباب من خلال لقاءات متواصلة وصريحة في الجامعات والمعاهد, إضافة لمدرسي الجامعات والمدارس, والمفكرين, والمثقفين, والنقابات المهنية, وقطاعات العمال والنقابات المنتخبة والممثلة فعليا لهم, وليس من خلال رئيس اتحاد نقابات العمال الذي لا يمثل إلا نفسه ولا يعرف عن العمال ومعاناتهم شيئا بل هو البلاء المسلط عليهم, فهذه الشرائح هي مفتاح الأمان لكل حكومة وطنية إن قررت حقيقة وليس وهما وزيفا الإصلاح الشامل بكل مناحي الحياة في الأردن, أما الأحزاب الوهمية وأحزاب الديكور فأقول لكم: قد تغضبون من كلامي هذا وقد لا يعجبكم هذا الرأي, لكن عليكم أن تعوا حقيقة واحدة وهي أن الأحزاب التي تفشل في إقناع شريحة واسعة من المجتمع الأردني ببرامجها وعملها طيلة هذه السنوات هي أحزاب فاشلة بامتياز, فكيف إذا كان قطاع واسع من المجتمع الأردني يجهل تماما وجود هذه الأحزاب بسبب فشلها بتسويق نفسها وإثبات وجودها على الأرض, وإقناع مختلف شرائح المجتمع بها, فهنا تكمن المصيبة ويحق لنا حينها وضع علامة استفهام كبيرة عليها, ومن هنا فإني أتوجه إليكم برسالة وأقول لكم: عليكم حل أحزابكم وتحويلها إلى جمعيات خيرية علّها تفيد المجتمع الأردني فتعفوا خزينة الدولة من تلك الأموال التي تخصص لكم, حيث أنكم تعطون الحكومات بهرجة زائفة خادعة غير مقبولة عندما تعلن أي حكومة ببند عريض أنها تشاورت مع مختلف الأحزاب الأردنية, فهذه الشرعية الزائفة تضر بكل الأردنيين وتجعلهم يغمضون عيونهم في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى اليقظة والانتباه.
فالرسالة واضحة, نريد إصلاحا سياسيا حقيقيا, يفرز مناخا سياسيا جديدا يلمسه كل الأردنيين فوق الأرض الأردنية بدون استثناء, فينتج أحزابا وطنية كادحة صادقة وذات نهج ديمقراطي ممثلة لنبض الأردنيين وعمقهم العربي الإسلامي, كما أن هذه الأحزاب إن وجدت وفي ظل هذا المناخ السياسي الجديد ستدفع الشباب إليها دفعا عندما يؤمنون بها وببرامجها, ولن تضطر بعد ذلك تلك الأحزاب إلى استجداء الأعضاء بكل الوسائل لاكتمال نصابها القانوني, ولن تكون حينها أرقاما وأعدادا وحبرا على الورق ليس إلا, ففاقد الشيء لا يعطيه. نعم يحتاج هذا وقتا وقرارات جريئة صادقة مسبقة وبرنامجا زمنيا, لكن في النهاية سنصل إلى الإصلاح الذي سيحمي الأردن ووحدته الوطنية ونظامه الملكي الهاشمي.
إن الإصلاح السياسي الحقيقي ووجود هذه الأحزاب الوطنية القوية هو الرادع الأول لمؤسسة الفساد التي توغلت في بلدنا وأوصلته اجتماعيا واقتصاديا لحافة الهاوية والانفجار, كما أنها الداعم الأساسي في الحفاظ على الأردن ووحدته الوطنية ونظامه الملكي الهاشمي فكما أن الأرض الأردنية تجمعنا, فكذلك النظام الملكي الهاشمي الراسخ أيضا يوحدنا, بل هو نقطة الالتقاء لكل القوى والشرائح والفئات المختلفة, وهو همزة الوصل للمجتمع الأردني بمختلف أطيافه ومنابته, فالحرص عليه هو كالحرص على الأردن تماما.
rawwad2010@yahoo.com