زاد الاردن الاخباري -
تنبأ سينمائيون مصريون ومنذ عقود بما حدث في 25 يناير/كانون الثاني، بل إن أفلامهم أسهمت إلى حد بعيد في إيقاظ الوعي من غفوته، وكان لها دور ما في إشعال قناديل التغيير.
ولعل المشهد الأخير من فيلم "النوم في العسل" دليل ما؛ حيث يقوم ضابط الشرطة (لعب دوره عادل إمام) بقيادة الجماهير الغاضبة لكي تقف أمام مجلس الشعب المصري وتنادي (آه).
وقبل هذا الفيلم الذي استشعر الخطر وبعده، هناك عشرات الأفلام التي غاصت بعيدا في هموم الإنسان المصري البسيط الذي وجد نفسه يُجلد بعدة سياط دفعة واحدة، منها سوط السلطة، وسوط الجوع، ورغم ذلك لم يفقد الأمل في حياة كريمة جوهرها الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة.
وقدم السينمائيون المصريون في عقد السبعينيات من القرن الماضي أفلاما جريئة وضعت يدها على الجرح النازف في خاصرة الإنسان المصري، ولعل أشهر تلك الأفلام فيلم "الكرنك" للكاتب نجيب محفوظ، والمخرج علي بدرخان، والذي يعد من أجرأ الأفلام العربية. بحسب صحيفة "الوطن" السورية 7 فبراير/شباط.
وفيه اقترب بدرخان من عالم رجال الأمن، والدور الذي لعبوه في إرهاب وإفساد الشباب المصري من الداخل، وطمس معالم إنسانيته لكي يتحول إلى مسخ لا أمل ولا خوف منه، وما زالت ترن صرخة رجل المخابرات خالد صفوان (لعب دوره كمال الشناوي) بعد أن وجد نفسه في السجن وجها لوجه أمام شباب دمر حياتهم.
باب الأمل
وفي كل مرة لا تغلق السينما باب الأمل؛ حيث ينتهي الفيلم بانتصار أكتوبر العظيم، وعودة الروح والوعي للشباب الذي كان يظن أن حياته ودوره قد انتهى، وظل فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس" حبيس أدراج الرقابة لسنوات قبل أن تفرج عنه، وإذ نحن أمام تحفة سينمائية ترقى إلى مستوى الوثيقة عن حقبة زمنية في تاريخ مصر المعاصر.
وربما كان الشباب المصري الذي تجمهر في ميدان التحرير بالقاهرة مطالبا بالتغيير هو امتداد لشخصية شاب في الفيلم استشهد من جراء التعذيب، ورغم ذلك كانت الابتسامة تزين وجهه وهو يردد: "ليا مين غيرك يا بلدي ليا مين نحنا ياما خدنا منك فيها إيه لو مرة ندّي".
وربما كان مشهده الأخير تجربة سينمائية متقدمة عن مشاهد حقيقية حدثت بعد ذلك في ميادين وشوارع القاهرة دفع فيها الشباب حياته ثمنا لمستقبل أفضل لمصر.
وقدم المخرج الراحل عاطف الطيب مجموعة من الأفلام التي عرت ما كان، وتنبأت بما سيكون، منها فيلم "البريء" الذي لعب بطولته الراحل أحمد زكي، وجسد شخصية جندي مصري بسيط يجد نفسه في أحد المعتقلات حارسا على مجموعة من المثقفين والمظلومين الذين أفهمته السلطة أنهم مجرد خونة وعملاء، وهو يقتل واحدا منهم، مفتخرا بأنه قتل أحد أعداء الوطن.
ولكن صدمته كانت شديدة عندما رأى صديقه وابن قريته ضمن مجموعة من "الأعداء" تضرب بالسياط، وهنا يستيقظ وعي فطري داخل هذا الشاب البسيط ليقول: لا يمكن أن يكون ابن عمي وهدان من أعداء الوطن.
وهناك فيلم آخر لا يقل أهمية وقيمة سينمائية وهو فيلم "التحويلة" الذي تناول سطوة رجال الأمن على الناس الطيبين الذين لا حول لهم ولا قوة أمام قوة وجبروت أناس فاسدين وساقطي الأخلاق.
وتتالت الأفلام التي تعزف على وتر الرفض، وتحاول إيقاظ الوعي كلما مال إلى إغماءة.
ولعل تجربة الفنان عادل إمام والكاتب وحيد حامد في هذا الإطار تعد التجربة الأعمق والأنضج؛ حيث قدما عديد الأفلام التي روت بذرة التغيير بين الشباب المصري منها "اللعب مع الكبار" و"الإرهاب والكباب" وفيها تشخيص مبدع لحالة الإنسان المصري الذي تُداس أحلامه وتتبعثر حياته سدى.
كما حاول المخرج خالد يوسف اقتفاء أثر أستاذه يوسف شاهين وقدم عدة أفلام -دار حول بعضها جدل كثير- تحرّض على الثورة، وتحذر من المجهول، لعل أبرزها فيلم "هي فوضى" والذي صنعه بالتعاون مع شاهين قبيل وفاته، وفيلم "حين ميسرة" الذي دخل مناطق العشوائيات وأحزمة الفقر التي تحيط بالقاهرة.
وقد اتهم هذا الفيلم بالسوداوية المفرطة، وانسداد أفق الأمل فيه، ولكن يوسف ظل مصرا على أن الواقع المصري أقسى، وربما كان سكان العشوائيات هم أبطال السلب والنهب الذي تخلل أيام الثورة المصرية الجديدة.
وقدم يوسف عدة أفلام تلمح أو تصرّح إلى ما يعانيه المواطن المصري البسيط، ومنها "زواج بقرار جمهوري" و"دكان شحاتة"، وقدم المخرج علي عبد الخالق نبوءة سينمائية لما هو حاصل اليوم في مصر وهو "ظاظا" للفنان هاني رمزي.
وربما كان فيلم "كباريه" للمخرج سامح عبد العزيز تشخيصا سينمائيا يحمل أهمية كبيرة لحال المجتمع المصري.
وربما لو تسنى للرئيس حسني مبارك طباخ كذاك الذي شاهدناه في فيلم "طباخ الريس" للفنان طلعت زكريا لتفادت مصر الكثير من الكوارث، فالفن لا يصنع ثورات، ولكن من الممكن أن يكون وقودها.
mbc.net