قبل عامين كتبت مقالاُ في بعض المواقع الإلكترونية تمنيت فيه أن أكون خريج أميركا ، ليس لحبي فيها لا والله ، ولكن لأحصل على وظيفة مرموقة في إحدى أجهزة الدولة براتب خيالي؛ توفر علي عناء التدرج الوظيفي من سنة لأخرى حتى سن الستين إن عشت لذلك الحين وبالأخير يمكن \" تزبط أو ما تزبط \" ، وتوفر سنوات عمري التي قضيتها في الغربة لتأمين ثمن شقة بـ 40 ألف دينار وليس بـ 400 مليون . وقد شُنت علي في ذالك المقال حرب شعواء ليقنعوني والقراء بأن المقال فقط من باب إظهار الذات والحسد ، هذا اليوم شاهدت مقالاُ لأخي الدكتور بلال السكارنه وهو يتمنى ويسأل ذات السؤال ؛ كيف تصبح وزيراً ؟
نحن أبناء الحراثين من هواة جمع الأرقام الآحادية في كل شيء ، فلا نحتاج إلى مئات الألوف من الدنانير في أرصدتنا ، لأننا بصراحة لا نعرف كيف نصرفها ، نحن بحاجة إلى عشرات منها لشراء بيت في مدننا الصغيرة المتواضعة التي لا يوجد فيها ناطحات السحاب والقصور الفارهة ذات 12 مليون ، أو بضعة آحاد لشراء سيارة صغيرة ، والباقي صدقوني إن وجد فستوجه إلينا أصابع الاتهام... من أين لك هذا ؟
الوزير والمناصب العامة في بلادنا تتطلب الكثير من الشروط التي لا علاقة لها بالمنصب ، وبالمناسبة أصبح تعيين الوزير في بلادنا أسهل من تعيين موظف بالفئة الثالثة ؛ لدرجة أن المنصب قد ميع وأصبح من غير مضمون وبدون أي هيبة أو وقار ، فأهمية المنصب الذي تحصل عليه ليس مهماً بقدر المنافع الشخصية التي قد تحصل عليها من جراء هذا المنصب .
لقد شاهدت على امتداد عمري الصغير نسبياً بعض أمثلة الوزراء الذين نحب أن نراهم مثقلين بهموم الدولة وبمشاكلها الاجتماعية ويعرفون كل صغيرة وكبيرة في وزارتهم ، لأنهم إحدى إفرازات هذه الوزارة ؛ فهو تدرج فيها من أصغر رتبة حتى وصل إلى الطابق الأخير فيها، وبالتالي لذلك فهو يشعر بأهمية مكانته الوظيفية ، ويشعر بجميع الموظفين الذين عاش وتربى معهم في أسرة واحدة ويعرف إمكاناتهم ومؤهلاتهم وظروفهم بالواحد ، ويحترمون الناس والمراجعين ولديهم ثقافة المجتمع التي تربينا عليها .
عندما كنا نشاهد هؤلاء الوزراء على شاشة التلفزيون أثناء تأدية اليمين ، كنا نشعر فعلاً أنه وزير ، ومن شكله تدرك أهمية المنصب والشخص الذي يشغله ، حتى الإناث الوزيرات كن على درجة عالية من العلم والثقافة ، مدركات ومتفهمات لحاجات الناس وعلى قدر كبير من المسؤولية ، وبالنهاية كان الوزير في كثير من الأحيان انعكاس لواقع اجتماعي ولبيئة ثقافية يجسدها هذا الشخص .
على عكس وزراء الديجتال فلا يجيدون إلا الهبوط بالباراشوت من أعلى ، وبارعون في القفز فوق الحواجز وفي سباق 100 متر مسافات قصيرة ، لقد شاءت الأقدار أن أرى أحد قادة الحركة الديجتالية في أحد الاجتماعات في وزارة التخطيط وبحضور وفد من صندوق النقد الدولي ، فقد أبهر الجميع بصوته العالي وبأسلوبه الشرس الاستفزازي ، حتى شعرت أنني أمام رئيس الوزراء وليس وزير ، وبالأخير تهجم علي شخصياً وعلى الوزارة التي كنت أمثلها في هذا الاجتماع ، لأنه هو الأفهم والأقدر على حل معضلة الاقتصاد الأردني .
بعد هذه المقدمة ، وللإجابة على سؤال الزميل السكارنه ، أرى أن اختيار الوزير في بلادنا وإلى حد كبير ؛ دالة في مجموعة من العوامل أهمها : العلاقات الاجتماعية وخاصة علاقة النسب من إحدى المسئولين الذي قد يواتيه الحظ ويصبح رئيساً للحكومة ، كما أن منصب الأب أو الجد يلعب دور رئيسي في تسهيل مهمة الحصول على هذا المنصب في سن مبكرة فقد تكون وزيراً بالوراثة في العشرين ، وتلعب مصالح رجال الأعمال دوراُ مهماً في الحصول على هذا المنصب ، أما إقامة وليمة كبيرة لإحدى الشخصيات المؤثرة فهي بمثابة خطوة أولى قد تساعد في الحصول على منصب مهم ، إضافة إلى الواسطة والمحسوبية المستشرية بين طالبي هذه المناصب ، إضافة إلى تصفية الحسابات الشخصية التي قد تفرض توزير أحد شباب العشيرة ليكون منافساً للشخص الآخر الذي سخط عليه بعض أصحاب المصالح .
وعودةً على ذي بدء فإن الدراسة فقط في بلاد العام سام تختصر عليك الحصول على هذا المنصب ، فعوج اللسان دليل على الفهم والكفاءة النادرة ، ولا بد من التنويه بأن شرط الكفاءة والخبرة قد يكون له دور ضعيف في الحصول على هذا المنصب ، وحسب القاعدة الرياضية نقول أنه شرط ضروري لكنه غير كافي للعمل به .
أخيراً ، نأمل أن يتم تعديل هذه الشروط وإعادة النظر فيها من قبل الرئيس المكلف .
فالأردن ومليكه عزيز على قلوب الأردنيين حماهم الله من كل مكروه ، وأعز بلادنا من كل سوء .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
Nsour_2005@yahoo.com