عبر المسيره الزمنيه المتواضعه لهيئة مكافحة الفساد على اختلاف القائمين عليها , تبدو الحاجه الوطنيه مُلّحةً لاحداث التغييرات الملموسه في آلية عمل الهيئه اكثر من اي وقتٍ مضى حتى تؤتي أُكلها بالنتائج المرجوه منها لاسترجاع ثقة الشارع والمواطن المخذول لكي لا نفقد الثقه نهائياً بمصداقية الهيئات المعنيه بالرقابه على المال العام ومنها مكافحة الفساد .
العيوب المصنعيه لقانون هيئة مكافحة الفساد يعتبر احدى العوامل المسؤوله عن الاداء المتواضع لعمل الهيئه واحد المعيقات الرئيسيه التي تلجم ادائها الخجول في حال تحركها , حيث يبدو ان ارادة التغيير لم تتوافر بشكل حقيقي لدى صنّاع القرار الحكومي والمسؤولين عن صياغة قانون الهيئه بهذا الشكل آنذاك , فربط الهيئه وتقاريرها برئيس الوزراء جعلها تخضع لسياسة التدجين والتبعيه الغير مقبوله بوصف رئيس الوزراء احد اعضاء السلطه التنفيذيه ولا بد وان يخضع بجميع اعماله وقراراته لرقابة الهيئه لا ان ترتبط الهيئه بمركزه الوظيفي وتكون تحت ولايته ! , ومن ذات المنطلق وحفاظاً على حيادية عمل الهيئه كان من الاولى ربطها بالملك مباشرةً مع الزامها ضمن القانون بتقديم تقارير افصاح دوريه عن عملها وانجازاتها لمجلس النواب , مع تدارك تعديل نصوص القانون الحالي بالغاء جريمة اغتيال الشخصيه والتي تقف مانعاً في وجه اصحاب الشكوى من المواطنين خشية ان يتم الرجوع عليهم بالتبعات القانونيه في حال تمكن المفسدين من نفي التهم الصادره بحقهم كون المحاكم الاردنيه مختصه اصلاً مدنياً وجزائياً بالدعاوى الناشئه عن النيل من السمعه والكيديه سواء .
الجهود المبذوله في مكافحة الفساد تتدخل لاحقاً كناحية علاجيه ابتداءاً بجمع الادله والتحقيق واصدار الاحكام القضائيه بعدما يتم الاعتداء على المال العام ( وتطير الطيور بارزاقها ) وهي بذلك تفتقر للناحيه الوقائيه المطلوبه والردع العام , وهذا يشكل احد الدلالات على عدم جدية صّناع القانون في محاصرة الفساد وتجفيف منابعه الحكوميه والخاصه الكثيره , فكم من الخسائر والاعتداءات على اموال المواطنين ودافعي الضرائب كان يمكن تفاديها لو نص القانون على فتح مكاتب ارتباط لهيئة مكافحة الفساد بالوزارات والمؤسسات الرسميه وتسمية ظباط ارتباط من الهيئه ليكونوا كاعضاء مجلس اداره في الشركات المساهمه العامه ( التي ما تزال خارج التغطيه ) الى جانب ممثلي الحكومه الاردنيه ممن يتم تعيينهم بطريقه نعرفها جيداً.... , وكم من الخسائر المصطنعه كان بالامكان تلافيها لو شعر الفاسدون أن عين الهيئه واجهزتها لهم بالمرصاد بشكل مسبق وتمنعهم من القيام باستثماراتهم الفاشله والمقصوده خارج الوطن وداخله مستخدمين المال العام وادخارات الاجيال في سبيل ذلك خاصةً ان الهدف الرئيسي لاستحداث الهيئه جاء للحفاظ على المال العام وليس لمجرد معاقبة المفسدين جزائياً دون القدره على استرداد الملايين التي يتم ترحيلها بشكل دائم من موازنة الدوله لجيوب الفاسدين حيث جعلت الشعب يعاني من تبعات الاختلالات الاقتصاديه والاعتداء على المال العام بتغذية مديونية الموازنات المتعدده من جيبه الخاص عبر النظام الظريبي المجحف لدينا .
اصبحت المطالبه بمكافحة الفساد تحتل الاولويات القصوى لدينا ومطلباً شعبياً يتكرر باستمرار من اجل ايقاف الهدر المالي الفاحش وسوء استخدام السلطه المطلقه لمسؤولي الدوله , فهل من المعقول ان تصل مصاريف السيارات الحكوميه الفارهه لمبلغ يناهز 100 مليون دينار سنوياً في بلد يدعي الفقر ومحدودية الموارد دون اعتبار ذلك هدراً فاحشاً وتجاوزاً لا بد من ايقافه واخضاعه لسلطة الرقابه والقانون ؟!! , وهل اريد لهيئة مكافحة الفساد عبر الحكومات المتعاقبه ان تصبح مجرد ( اكسسوارات ) لتشجيع المستثمرين واصحاب رؤوس الاموال ورفع سقف الطمأنينة لديهم لغايات تشجيع الاستثمار بمجرد التنافس الشكلي على الترتيب الدولي في الشفافيه ومكافحة الفساد دون اعتبار الفساد بماهيته من المحرمات الوطنيه التي تهدد أمن الدوله واقتصادها والشعور الحقيقي بالانتماء؟!! .