منذ أيام أنهى طلاب المدارس الامتحانات بما فيها من كدر ونصب، وأخذوا يتنفسون الصعداء، فتحت لهم العطلة ذراعيها تحتضنهم لتهوّن عليهم مشاق العمل وأعباء التعلم.
هكذا هي الحال بكل براءة وبساطة، إلا أن الناقد التربوي الناظر إلى المشهد تتزاحم في خلده تساؤلات تتدافع بالمناكب عارضة نفسها عليه، علّـه يجد لها جوابا أو شيئا من جواب.
إذا سلمنا بأن العطلة راحة بعد التعب،وقلنا إن الطلاب لا بد لهم من أيام معدودة يروّحون عن أنفسهم، فيكسرون بذلك الملل، ويقضون على كل كلل، ثم هم بذلك يعودون هم ومعلموهم إلى المدرسة بهمّة عالية ورغبة جامحة في التعلم والتعليم.
ثم إن العطلة أصبحت عرفا عالميا، إذ لا بد من أن ننسجم مع الأعراف الدولية السائدة، ولا ننسى أن كثيرا من الأسر تعوّل على هذه العطل لإقامة بعض المشاريع العائلية.
العجيب أن لفظ العطلة لا يوحي أصلا بشيء من الإيجابية! إلا إذا أحسن الإنسان الظنّ، قلّب المعاجم تكتشف سر كراهتنا لهذه الكلمة، فالرجل العطل هو الذي بقي بغير عمل وهو من لا سلاح له، والأرض العطل الموات، والمزارع العطل إذا لم تحرث، والبئر المعطلة المتروكة التي لا يستقى منها، والغنم والإبل عطلت إذا أهملت وتركت بلا راع.
أبناؤنا عطّلوا إذ دخلوا في العطلة، فأصبحوا بلا عمل، هذا إن سلمنا أصلا بأنهم كانوا يعملون خلال الدوام المدرسيّ، إلا من رحم ربي ممن يستحضر جمال العلم وقيمته. كيف يستقبل أولياء الأمور وأبناؤهم الطلاب العطلة؟ هل ينظرون إليها بأعين طامحة إلى الاستزادة من الخيرات بفضل التفرغ وعدم الانشغال بالدراسة؟ أم يستثقلون قدومها فهي تعني حرية للابن دون قيود ؛يعيشون بلا عمل ولا هدف، ينامون وقت شاءوا ويستيقظون وقت شاءوا! يخرجون لأي مكان مع أيٍ كان، ولا يعودون إلا للفراش أو الخلاف؟
هل للبيت والأهل دور في تسيير أمور العطلة بما يعود على الأبناء بالخير؟ هل نربي فلذات أكبادنا على مفهوم العطلة وأنها مرحلة تفرغ للارتقاء بأدائنا من خلال الاندماج بالأنشطة المجتمعية في مراكز القرآن والمخيمات الكشفية والزيارات الخاصة للشخصيات المميزة، وصلة الأرحام ووو؟
هل للعطلة نتائج إيجابية وثمار طيبة تعود على عناصر العملية التعليمية بالفائدة؟ هل تجني المدرسة ـ بوصفها بناء ولوازم ـ فائدة مقصودة وممنهجة ؟ هل تعود العطلة بفائدة على المعلم بوصفه معلم العقولِ العلومَ وطرائق التفكير، وهل تعود بفائدة على التربوي بوصفه ينشئ النفوس على القيم والمبادئ القيـّمة؟ وهل تعود العطلة بفائدة على الطالب بوصفه طالب علم يتحرى المعرفة ويبحث عن الحقيقة؟
هل يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تعمل على صياغة استراتيجية لاستغلال طاقات الطلاب خلال فترة الانقطاع عن الدراسة، من باب رعايتهم كل أيام العام؟ هل يمكن للوزارة أن تتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني فتتبنى منهجية تربوية تشغل الطلبة بما فيه صلاحهم وصلاح البلاد بدل أن يشغلهم الشيطان بأنفسهم وبغيرهم، فنراهم يخوضون في بحر الفراغ المفسد، ظلمات بعضها فوق بعض، دون توجيه ودون تربية، تسمعهم يشكون الفراغ والضياع وتراهم يهيمون على وجوههم في الأسواق والطرقات والمطاعم يقتلون فراغهم، ويئدون أعمارهم، وهم عندئذ يسحبون إلى حتفهم، ولات حين ندم
إن الشباب والفراغ والجِـدة مفسدة للمرء أي مفسدة
قد يقول قائل هذه فلسفة تحتاج إلى تكاليف لا يعلمها إلا الله! نعم قد يكون، خير من أن ننفق مثلها وأكثر في علاج انحرافهم وتفشي الفساد بسببهم والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
منال عبدالجليل العواودة